MENA AI
الأزمات السياسية غالبًا ما تُقدَّم في الإعلام بصيغة بيانات رسمية، وخطابات سياسية، وتحليلات اقتصادية جافة. لكن خلف هذه الأحداث المعقدة، هناك دائمًا قصص إنسانية مؤثرة، عن أسر فقدت أحبّاءها، وعن مواطنين تغيّرت حياتهم فجأة، وعن أمل يصارع الخوف.
الصحفي المبدع هو من ينجح في كشف هذا البعد الإنساني للأحداث، ليحوّل المعلومة الباردة إلى قصة حية تمسّ القلوب وتبقى في الذاكرة.
أولًا: الفرق بين الخبر السياسي الجاف والقصة الإنسانية
- الخبر السياسي التقليدي يركز على القرارات، الاتفاقيات، المفاوضات، وردود الفعل الرسمية.
- القصة الإنسانية تضع الناس في قلب الحدث، وتُظهر تأثيره على حياتهم اليومية، بلغة وصور قريبة من المتلقي.
مثال: بدل أن نقول “الحكومة رفعت أسعار الوقود بنسبة 20%”، يمكن أن نحكي عن “سائق أجرة في القاهرة اضطر للعمل ليلًا ونهارًا بعد الزيادة الأخيرة، بينما يحاول توفير مصاريف دراسة أبنائه”.
ثانيًا: خطوات عملية لتحويل الأزمة السياسية إلى قصة إنسانية
1. تحديد الزاوية الإنسانية في الحدث
ابحث عن الفئات الأكثر تأثرًا بالقرار أو الأزمة:
- المدنيون في مناطق النزاع.
- العمال والموظفون المتأثرون بقرارات اقتصادية.
- اللاجئون والمهجّرون من مناطق الصراع.
2. البحث عن الشخصيات الحقيقية
- إجراء مقابلات مع أشخاص يعيشون آثار الأزمة يوميًا.
- اختيار شخصيات ذات قصص فريدة يمكن تمثيلها بصور أو فيديو.
مثال: تغطية النزاع في غزة عبر قصة طفل فقد مدرسته وتحوّل إلى مخيم مؤقت.
3. السرد بأسلوب إنساني
- استخدام لغة وصفية تنقل المشهد بصريًا.
- تجنب الإفراط في الأرقام على حساب السرد الشخصي.
- تقديم خلفية مختصرة تربط القصة بالسياق السياسي.
4. توظيف الوسائط البصرية
- صور تُظهر التغيير في حياة الأشخاص قبل وبعد الأزمة.
- فيديوهات قصيرة لشهادات مباشرة.
- رسوم بيانية تبسط المعلومات المعقدة.
ثالثًا: أمثلة تطبيقية من الإعلام العربي والدولي
حرب البوسنة (1992–1995)
قصة الصحفية كريستيان أمانبور التي نقلت أصوات المدنيين المحاصرين في سراييفو، ما ساهم في تحريك الرأي العام الغربي.
الأزمة السورية
بعض التقارير المؤثرة ركزت على حياة اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري بالأردن، مع صور لأطفال يتعلمون في خيام، ما حوّل الصراع من “أزمة جيوسياسية” إلى “قضية إنسانية”.
الأزمة الاقتصادية في لبنان
تقارير عن عائلات اضطرت لبيع ممتلكاتها لتغطية تكاليف العلاج أو الدراسة، في ظل الانهيار المالي.
رابعًا: المخاطر التي يجب تجنبها
- المبالغة العاطفية (Emotional Manipulation)
إثارة الشفقة المفرطة أو استغلال المعاناة بشكل تجاري يفقد العمل مصداقيته. - إهمال التوازن التحريري
الانحياز المفرط لطرف سياسي بحجة البعد الإنساني قد يُضعف الموثوقية. - التعرض لصدمة ثانوية للصحفيين (Secondary Trauma)
الصحفيون الذين يغوصون في قصص مأساوية قد يتعرضون لضغط نفسي يحتاج إلى دعم ومتابعة.
خامسًا: توصيات للصحفيين
- تدريب فرق التحرير على صحافة الارتباط الإنساني (Human-Centered Journalism).
- الجمع بين القصة الإنسانية والتحليل السياسي لفهم جذور الأزمة.
- إشراك المصورين والمحررين البصريين في التخطيط منذ البداية.
- الالتزام بأخلاقيات حماية هوية الضحايا، خصوصًا الأطفال والناجين من العنف.
خاتمة
القصة السياسية الجافة تنتهي مع خبر اليوم، أما القصة الإنسانية فقد تعيش في ذاكرة القارئ لسنوات. الصحافة التي تضع الإنسان في قلب السرد، لا تكتفي بنقل الحدث، بل تمنحه حياة ومعنى، وتحفّز الجمهور على التفكير والتحرك.
المراجع
أبو عيّاش، أحمد. “القصص الإنسانية في الإعلام العربي”، مجلة الإعلام الجديد، العدد 12، 2022.
Chouliaraki, Lilie. The Ironic Spectator: Solidarity in the Age of Post-Humanitarianism. Polity Press, 2013.
Zelizer, Barbie. About to Die: How News Images Move the Public. Oxford University Press, 2010.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر. “التغطية الإعلامية للنزاعات المسلحة: دليل للصحفيين”، 2019.