عبد الله عبد العزيز
يعدُّ المقال الصحفي شكلاً من أشكال الكتابة الصحفية، حيث يعرض فيه الكاتب وجهة نظره الخاصة، ورأيه الشخصي لقضية ما أو واقعة ما أو موضوع ما أو فكرة معينة تهم الرأي العام، وهو من أمتع ما تقرأ في الصحافة إذا كان كاتبه متمكناً من لغته وقادراً على صياغتها بأسلوب ممتع، كما يمكن أن يكون المقال عامل جذب للرأي العام تجاه تبنّي وجهة نظر معينة.
المقال ليس حيادياً مطلقاً ولو ادعى صاحبه الحيادية عكس الخبر أو نقيضه، إذ إن الخبر لا يعتمد على ذاتية كاتبه، لكن يعتمد على وقائع دقيقة حقيقية موضوعية، لا يمكن لكاتبه إبداء الرأي أو التعبير بكلمات غير مهنية.
لكن المقال الصحفي يستخدم اللغة الأدبية، والأسلوب الشيق الممتع الأخاذ المعتمد على عامل التشويق والإثارة والمفاجأة، محاولاً أخذ القارئ إلى حيث ما يريده الكاتب، وبما أن المتلقي أو القارئ هو الملك، الذي يسعى كل صاحب محتوى لأن ينال رضاه، ويجعل القارئ يرضى عما يقرأ، أو يكمل قراءة المقال حتى لو اختلفت وجهات النظر بين كاتبه وقارئه، والكاتب الماهر من يستطيع أخذ القارئ من نفسه إلى حيث نقطة النهاية بالمقال.
كما أن المقال الصحفي مهم جدا لقياس وعي المجتمع، ومدى ثقافته ووعيه، فهو مؤشر من مؤشرات حرية الرأي والتعبير التي تميز مجتمع عن مجتمع آخر، خاصة المقالات التي تتعرض وتهاجم الفساد والسياسات غير الصحيحة في المجتمع أيا كان من يروج لها.
كما يدل المقال على نضج المجتمع واتجاهات الرأي العام فيه، ويمكن القول بأن المقال دليل من دلائل التقدم الحضاري فهو لا يظهر ولا ينمو ولا يتطور إلا في المجتمعات التي للرأي العام فيها قوة وتأثير واضح، وهو دليل أيضاً على أن هذه المجتمعات قد أخذت شوطاً ليس هيناً في تحديد ما تريد وما تطمح إليه من حرية رأي وتعبير.
خصائص المقال الصحفي
مقارنة بأشكال الكتابة الصحفية الأخرى، يمكن أن يطلق على المقال مسمى “فن”، لأنه يعتمد على لغة بليغة سهلة يفهمها القراء مهما تباينت مستوياتهم التعليمية والثقافية والاجتماعية، حيث يطرح الكاتب من خلاله قضية أو واقعة أو فكرة أو جزءاً من فكرة تهم القارئ أو تهم الكاتب شخصياً.
كما أن المقال الصحفي هو وسط بين المقال الأدبي والمقال العلمي، حيث يأخذ من المقال الأدبي ذاتية الكاتب ونظرته الشخصية من خلال زاوية رؤيته للحدث أو القضية، ويأخذ من المقال العلمي الموضوعية والمنطقية ثم عرض ما توصل إليه الكاتب من نتائج بناء على ما بحوزته من معطيات وبراهين ومقدمات، ويعتمد على البلاغة وترابط وتجانس وتكامل كل أجزائه من عنوان ومتن أو جسم وخاتمة، وهو نثري وممتع معتمداً على التشويق، ومقنع بترتيب الأفكار وتسلسلها.
صياغة المقال الصحفي
أما صياغة المقال الصحفي فتختلف عن صياغة الخبر كلياً، فالمعتمد أو المعروف أن يصاغ الخبر بطريقة الهرم المقلوب، بمعنى أن يأتي بالخلاصة في مقدمة الخبر ثم يأتي بالتفاصيل والمقدمات، بحيث من أراد من القراء معرفة ماذا حدث فيمكنه معرفة ما حدث من مقدمة الخبر، دون الخوض في تفاصيل ربما لا تعنيه أو لا يهتم بمعرفتها، أما المقال فيصاغ بطريقة الهرم المعتدل، ويبدأ من حيث ينتهي الخبر بسرد المقدمات والتفاصيل بأسلوب يجعل من القارئ متابعة القراءة حتى النهاية، ويكون ما ينتهي به المقال هو ما يبدأ به الخبر وهو النتيجة.
والسؤال هنا ما الذي يضطر القارئ لقراءة المقال إلى نهايته؟
هنا يتمايز القراء من حيث من يريد معرفة ماذا حدث ومن لا يكتفي بالقشور، ويريد الاستزادة والغوص فيما وراء الحدث.
وهنا أيضا يتمايز الكاتب من حيث القدرة على جذب وجعل من لا يقرأ أن يقرأ.
فالكاتب بأسلوبه الشيق الممتع السهل يمكنه جذب القارئ، وأيضاً من خلال ما يقدم من معلومات جديدة تهم القارئ، ومن خلال ما يقدم من شرح وتحليل الأخبار والأحداث والمعلومات، بحيث يستطيع القارئ الحصول على وجبة ثقافية تصنع منه مثقفاً، إضافة إلى نشر المعارف الإنسانية المختلفة.
أنواع المقال الصحفي
للمقال الصحفي أنواع ثلاثة، هي:
التحليلي
وهو الذي يعتمد على تحليل الأفكار والموضوعات ومحاولة فك رموزها، والبحث عما خفي في أدق تفاصيلها، من خلال المعطيات التي لدى الكاتب ومن وجهة نظره، وهو من أكثر أنواع المقالات تأثيراً، إذ يمكن للكاتب أن يتميز ويختلف مع وجهة نظر الصحيفة، وهذا المقال يختلف عن المقال الافتتاحي الذي يعبر عن سياسة الصحيفة ومؤمناً بالفكر الذي تتبناها.
الافتتاحي
وهو الواجهة الأساسية للصحيفة، والتي تعبر عن سياساتها ومبادئها والأفكار التي تؤمن بها وتتبناها، وبجانب استخدام الكاتب التحليل والتفسير الموضوعي، فقد يقوم الكاتب أيضاً باستخدام الأسلوب العاطفي للتأثير أو محاولة التأثير في مشاعر القراء، وحثهم على التعاطف أو الميل نحو رأي ووجهة نظر معينة.
النقدي
وهذا المقال مهمته الأساسية نقد الأعمال الفنية بأنواعها المختلفة الأعمال الأدبية والمسرحية والسينمائية، وهو مقال يجعل عين القارئ تبدو ناقدة لما ترى من أعمال فنية مختلفة.
العمودي
وهو مكان أو مساحة معينة مخصصة لكاتب معين يقوم بعرض رأيه وأفكاره، وهو لا يعبر دائماً عن وجهة نظر أو سياسة الجريدة، وهو بمثابة مساحة حرة أو هكذا يراد له أن يبدو في الصحف الحكومية. ولكنه يبدو حراً أكثر في الصحف المستقلة.