كريستيانا بيدي
عندما تُنشر أعمالك الصحفيّة ويصبح اسمك معروفًا، قد تشعر بالبهجة والخوف معًا. فهناك بالطبع سرور يصاحب نشر مقالاتك بعد طول انتظار ووضع اسمك في خانة الكاتب، ولكن تقديم مجهودك إلى العالم قد يتسبب أيضًا في القلق والتوتر. فحتى بعد الانتهاء من كتابة مقال ممتاز، تجد نفسك متسائلًا: هل قمت بعمل جيد؟ هل توجد أخطاء لم ألحظها؟ هل سيقرأ الناس هذا المقال ويتفاعلون معه؟
وفي هذا السياق، تتحدث إيما دونالدسون-فيلدر، عالمة النفس المهني لدى مركز أفينيتي للتدريب والإشراف، عن الصحفيين أو الكُتاب الذين تُنشر أعمالهم، قائلة: “نحن نرغب حقًا في إيصال رسالتنا، ولكننا خجولون ونتأثر بسهولة”، وتضيف: “لدينا الرغبة في التعبير، ولكن عند نشر أعمالنا، نشعر فجأة بالخوف من ردود الفعل تجاهها”.
ونظرًا لأن المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تتيح التعليقات الفورية والمباشرة، قد يشعر الصحفيون بأنهم يخضعون لدرجة مخيفة من التدقيق. فعندما يُنشر مقالك، يُمكن لمصادرك وقُرائك وغيرهم أن يشيروا علنًا وفورًا إلى أخطائك أو أن ينتقدوك أو حتى يهاجموك. قد يكون التعرض للمساءلة دافعًا إيجابيًا، ولكن الخوف من ارتكاب الأخطاء يُمكن أن يصيبك بالشلل.
فعلى سبيل المثال، عندما كتبت الصحفية المستقلة والمستشارة الإبداعية مانسي كاليان عن تظاهرات المزارعين الهنود لمجلة فايس في شباط/فبراير الماضي، تعرضت لانتقادات لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها عرضت وجهات نظر بديلة. وتقول مانسي: “كانت بعض الانتقادات أقرب إلى التهديد، لذا أقل ما يُقال إنني كنت في غاية القلق من نشر مقال عن موضوع يتابعه القراء في جميع أنحاء العالم”.
والآن، بعد التفرغ للعمل الصحفي المستقل، تقول كاليان إنها تشعر بالقلق إزاء المشروعات الصحفية أكثر من أي وقت مضى، مضيفة: “وهذا على الرغم من أنني أعلم جيدًا أنني أجيد عملي وأؤمن بأنني موهوبة، ولكنني أدركت أن ’متلازمة المحتال‘ أمر لا بد منه، وخاصة بين ذوات البشرة الملونة العاملات في مجال الفنون”.
ومن جانبها، تقول دونالدسون-فيلدر إن الكُتاب الناشئين ليسوا بالضرورة في وضع أسوأ، فهذا الأمر يمكن أن يحدث في أي من الاتجاهين: “إذا كنت جديدًا ولا تعلم كيف تسير الأمور، قد تشعر بدرجة أقل من الخوف، وذلك لأنك تمضي في المجال بدون سابق معرفة”، ولكنك أيضًا لا تعلم إذا كان بإمكانك أن تتحمل الانتقادات أو الرفض.
وفي هذا الإطار، تقول ألمارا أبجاريان، محررة الأخبار وأسلوب الحياة العصرية في وكالة جام برس، إنّ الصحافة “مثلها مثل أي مجال آخر، فكلما مارستها، كلما شعرت بالمزيد من الارتياح لها”. في بداياتها، كتبت أبجاريان مقالات شخصية للغاية وكانت قلقة إزاء التعليقات السلبية والانتقادات، وهو أمر مفهوم. وتحكي أنها كتبت ذات مرة عن تجربتها في المواعدة، قائلة: “لقد أحببت التجربة وحقق المقال الكثير من القراءات، ولكنني كنت قلقة من اتهامي بالفجور، وهو ما فعله المتصيدون بالفعل”.
وتتذكر أبجاريان أمثلة أخرى، من ضمنها مقالات الرأي عن مواضيع كالسياسة، والتي تصفها بأنها تسبب القلق بشكل مختلف تمامًا، وتقول إن الصحفيين غالبًا ما يكونوا أهدافًا سهلة للمتصيدين، “وأنا مندهشة من مستوى الإساءة الذي نتعرض له”. ومثل أغلب الصحفيات اللاتي تعرفهن، تلقت أبجاريان الكثير من الرسائل المسيئة.
إذًا، كيف يُمكن للصحفيين التعامل مع ضغوطات تسليم الأعمال الجيدة ومواجهة الخوف من الانتقادات وزيادة ثقتهم في معرفتهم ومهاراتهم ليتغلبوا على التوتر الذي يسبق نشر أعمالهم؟
إليكم نصائح شاركها معنا ثلاثة أشخاص حول التعامل مع التوتر المصاحب للنشر:
التعاطف مع الذات
تقول دونالدسون-فيلدر إن الخطوة الأولى هي الاعتراف بمشاعر القلق، ثم محاولة التعاطف مع الذات، مضيفة: “علينا أن نسامح أنفسنا عند ارتكاب الأخطاء العابرة، وأن نعتني بأنفسنا ونحرص على النوم لمدة كافية، ويجب ألا نسهر طوال الليل قلقين وألا نعيد الكتابة مرة تلو الأخرى”. وبعبارة أخرى، تنصح عالمة النفس بالوصول إلى درجة عملية من التسامح مع الذات.
وتضيف أنه من الطبيعي أن تشعروا بالقلق أحيانًا، وهذا ما يمر به الكثير من الآخرين أيضًا.
أما الجانب الثالث والأهم من التعاطف مع الذات، فهو “الإنسانية المشتركة”، حيث توضح دونالدسون-فيلدر أنه “الشعور بأنني لست وحدي وأننا جميعًا بشر ولدينا نقاط ضعف، وأن جميعنا متصلون في النهاية، وكذلك معرفة أن الخطأ ليس فيّ والقدرة على التعاطف”.
ابحث عن الدعم ممن تثق بهم
يُمكن للتواصل مع الأصدقاء أو الزملاء أو الموجهين بحثًا عن الدعم العملي أو العاطفي بعد الانتهاء من الكتابة أن يساعدك في التغلب على القلق الناجم من مشاركة عملك مع بقية العالم.
ومن جانبها، تقول أبجاريان إن “أهم نصيحة أقدمها للذين يشعرون بالقلق إزاء كتاباتهم هي أن يطلبوا من صديق أن يقرأ المسودة”. وعن مشاركة مقالاتها مع إحدى صديقاتها المقربات، تقول المحررة إنها تثق في رأيها، “ولكنني أعلم أيضًا أنها ستعطيني نقدًا بنّاءً”. وتضيف: “لا أستطيع عد المرات التي أجريت فيها التعديلات بناءً على نقاشاتنا، مما جعلني أشعر بتحسن كبير تجاه مقالاتي”.
في هذا الصدد، تؤكد دونالدسون-فيلدر أن تلقّي الدعم والتشجيع من الآخرين يُمكن أن يُحدث تأثيرًا قويًا، قائلة إن “هناك أدلة متزايدة الآن على أن مجرد وجود شخص داعم وهادئ إلى جانبنا يجعلنا نعكس هذا الشعور ويساعدنا على الهدوء”، مما يجعلنا نشعر بأن هناك أحدًا في صفنا.
تبنى العقلية الصحيحة وضَع الحدود المناسبة
نظرًا لكونها جديدة في عالم الصحافة، تقول كاليان إنها ما زالت تبحث عن أساليب التأقلم وتختبرها، فمن المفيد أن تفهم كيف تعتمد هذه الصناعة على الرأي العام.
وتنصح كاليان بأن “تؤمن بأن الأمر ليس شخصيًا، على الرغم من أنك قد تشعر بأنه كذلك. وأيًا كان رد الفعل تجاه عملك، فهو لا يعني أنك عدو الجمهور الأول”، مضيفة أن “رد فعل الجمهور سيكون تجاه ما كشفته في المقال، وليس تجاه الكاتب”.
وقد يفيدك أيضًا أن تبتعد عن الإنترنت بدلًا من الإطلاع المتواصل على ردود الفعل تجاه مقالك، حسب نصيحة كاليان. يمكنك الذهاب في نزهة أو مشاهدة فيلم أو الاستحمام أو صنع الخبز أو القيام بأي أنشطة أخرى تبقيك بعيدًا عن المتابعة المستمرة. “البعيد عن العين بعيد عن القلب – وعليك أن تدرب نفسك ألا تتعلق بأي من مقالاتك بمجرد الانتهاء منها”.
تحكم في السعي وراء الكمال
حاول أن تحارب الميول السلبية إلى الكمال. هل سبق أن ركزت على نفس الجملة لمدة 30 دقيقة أو فاتك موعد التسليم بسبب إعادة مراجعة المقدمة رغم أنها مناسبة؟ حارب هذه التصرفات من خلال التخطيط المسبق وعُد إلى التعاطف مع الذات.
من جانبها، تقترح دونالدسون-فيلدر أن تخطط مسبقًا لوضع حد لعدد المراجعات أو أن تتقبل تسليم المقال حتى إذا كان به خطأ إملائي، مضيفة أن عليك “تقبُل أن عملك جيد بما فيه الكفاية، وإذا بالغنا في القلق إزاء كل مقال، فإننا لا نبدي أي تعاطف أو دعم تجاه أنفسنا”.
ابحث عما يناسبك
ابحث عما يناسبك واستمر في عمله. فعلى سبيل المثال، تجد أبجاريان أنه من المفيد أن تذهب للنوم بعد كتابة المقال وأن تعيد قراءته في الصباح بعيون جديدة، وذلك إن لم يكن التسليم عاجلًا.
وتضيف المحررة إنها في حالة الكتابة عن موضوع حساس، قد تبحث عن مقالات أخرى حول نفس الموضوع لتفهم كيف تناولوه، “مما يوضح لك ما ناسب الآخرين أو لم يناسبهم، وكذلك رد فعل الجمهور تجاهه”.
كما أعدت أبجاريان ما أسمته “حائط المحتال”، والذي تعلق عليه مجموعة من مقالاتها المفضلة فوق جهاز الكمبيوتر الخاص بها، وتقول: “أنا لست مغرورة، ولكن إذا حدث أن شككت في قدراتي، أجد أنه من المفيد أن أنظر فوق مكتبي وأرى هذه المقالات”.
IJNet