رأفت ناصر
يعدُّ التعبير عن الرأي سمة مميزة تلف المجتمعات الديمقراطية حول العالم، وفي هذا الإطار يبرز مجال الكتابة الساخرة وهو نوع من أنواع السرد القصصي الذي يحاكي المواضيع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحياتية بطريقة ساخرة من أجل النقد وبهدف التغيير نحو الأفضل.
وكون ميدان الصحافة أحد أهم العناصر في عالم التعبير عن الرأي، سنتطرق في هذا المقال إلى أهمية الكتابة الساخرة في الصحافة، أنواعها ومدى تأثيرها على الجمهور والرأي العام. ومن هنا لا بد أن نعرّف أولًا ما هي الكتابة الساخرة.
تعريف الكتابة الساخرة
في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، يقول يزن أبو الروس الخبير ومدرب تطوير واستدامة الإعلام والأعمال ومؤسس مشروع نادي عمان للكوميديا، وهو أول مشروع عربي متخصص في التدريب على الكتابة الساخرة في العالم العربي “إنّ الكتابة الساخرة هي الكوميديا التي تنبع من غضب أو انزعاج من أمر ما، فتعبّر عنه بطريقة كوميدية لتفريغ غضبك، كما أنها طريقة لقول الحقيقة لأصحاب السلطة والقوة بدون تجريح وبعيدًا عن القدح والذم”.
أنواع الكتابة الساخرة
عدّد أبوالروس أنواع الكتابة الساخرة وفنّدها كالآتي:
عروض مسرحية ساخرة، “سكتشات” ساخرة، مقالات ساخرة، المونولوج، والكاريكاتير.
ميزة الكتابة الساخرة
يقول أبو الروس: “إنّ الكتابة الساخرة هي سرد قصصي والسرد له هيكل يقوم على خمس نقاط هي: السياق، ثم نقطة تحول أولى، تصاعد الأحداث وهنا تكون المواقف الكوميدية، بعدها نقطة تحول جذري، ثمّ الخاتمة التي ينتظرها الجمهور”، مضيفًا: “جميع السكتشات التي يؤديها الكوميدي تكون قائمة على هذا الهيكل”.
أدوات الكتابة الساخرة
ويوضح أبو الروس أنّ طريقة إجراء بحث من أجل تقديم مادة ساخرة هي نقطة مهمة، لافتًا إلى أنه من المحبذ اعتماد عملية العصف الذهني وتحديد الهدف الذي سيقوم حوله الموضوع الساخر، ومن هنا يجب أن يعلم الصحفي المواضيع التي يمكن استخدام السخرية فيها والمواضيع التي لا يمكن تناولها بشكل ساخر.
ويضيف: “نبدأ بعملية العصف الذهني التي لدينا أدوات لها ومنها طريقة القوائم، كتقديم قائمة بعشر مؤسسات يمكن الكتابة عنها بشكل ساخر، أو عشرة أشخاص يمكن أن نكتب عنهم، وننتقل بعدها بنقاشات حول تعريف الكوميديا الساخرة، لذا على الساخر أن يعرف ما هو الهدف الذي تدور حوله الكتابة الساخرة والذي يتم انتقاده بشكل واضح، ويمكن له أن يموّه الهدف بحيث لا يسمي الفاسد بعينه بل يدل عليه من خلال معنى الكلام. ويشدد أبوالروس أنه لو تعلّم الصحفي مجموعة التقنيات هذه، سيتمكّن من تقديم محتواه بطريقة أمتع للقارئ أو المشاهد.
ويذكر أبو الروس: “لم يعد كافيًا للصحفي أن يكون كاتب مقالات، بل عليه أن يتجه نحو صناعة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي أو تقوية حضوره فيها، حيث أنّ الوقت الذي يقضيه الجمهور لمتابعة محتوى معين أصبح ضئيلا جدًا، لذا على الصحفي بذل جهد أكبر للوصول إلى القارئ أو المشاهد بطريقة ممتعة كي يتابعه حتى النهاية”. ويشير إلى أنّ “معدل متابعة الجمهور على يوتيوب هو أكثر من 8 دقائق، تيك توك دقيقة واحدة، فيسبوك من 3 الى 5 دقائق، “فيسبوك ريل” وإنستغرام دقيقة واحدة، لذا على الصحفي اختيار المنصة المناسبة لطبيعة المحتوى الذي سيقدمه”.
البرامج الساخرة كمصدر للمعلومات
يقول أبو الروس إنّ البرامج الساخرة أصبحت مصدرًا للمعلومات، ويشير إلى دراسة من إعداد مركز بيو للأبحاث، خلُصت إلى أنّ 60 بالمئة من الشباب الأميركي يحصل على المعلومات من البرامج الساخرة. ولفت إلى أمثلة عالمية على هذه البرامج كـ Lastweektonight الذي يقدمه جون أوليفر، حيث يجري أوليفر تحقيقات حول مواضيع حقيقية في الولايات المتحدة ويعرضها بطريقة ساخرة ويتلقى الجمهور المعلومة وهو يضحك، ويعطي في نهاية الحلقة طرقًا للتواصل مع سيناتور معين أو روابط للتوقيع على عريضة ما، ما يعني أنه يقدم المعلومة بقالب ساخر لكنه يضع برنامجه في موضع الفعل وتقديم الحلول وليس فقط الانتقاد.
إرشادات للصحفيين
يقدّم أبوالروس مجموعة نصائح للصحفيين الذين يقدّمون كتابة ساخرة:
- على الصحفي اختيار الموضوع بشكل سليم، حيث يمكنه انتقاد الحكومة، لكن لا يحق له التنمّر لا سيما على من هم بوضع ضعيف.
- يمكن انتقاد شخصية بصفتها العامة لا الخاصة، ولا يجوز التعرّض أو السخرية من زوجة أو أولاد هذه الشخصية.
- الاطلاع على القوانين التي تحدّ من حرية التعبير في بلدك، كي لا تكون عرضة للمساءلة القانونية، وبالتالي الابتعاد عن القدح والذم والتشهير.
- الابتعاد عن نشر الشائعات، التنمر، خطاب الكراهية، بحيث يمكنك أن تكون ساخرًا من دون اللجوء إلى هذه الأمور.
- يمكنك أن تكون ذكيًا بالأمور التي تقدمها عبر استخدام المجازات، بحيث إذا لم يمكن بإمكانك انتقاد الحاكم في دولتك، يمكنك الحديث عنه مجازيًا عن سلطان عاش قديما مثلًا ويمكنك تسمية الدولة باسم آخر.
- على الصحفي انتقاد من هو أعلى منه في الحالة الاجتماعية وليس الأدنى منه.
- على الصحفي تحديد الرسالة من وراء الكتابة الساخرة ووجهة النظر التي يريد إيصالها، وأن يكون الهدف واضحًا وأن يكون النقد بناءً بهدف التغيير وتقديم الحلول وليس مجرد السخرية لأجل السخرية، لأن الناس يريدون الحصول على حلول.
- على الصحفي الساخر أن يعرف جمهوره الذي يعرف مرجعية الحالة الساخرة أو النقطة التي تدور حولها الكتابة الساخرة.
- عرض المادة الساخرة على محامٍ قبل نشرها من أجل معرفة ما إذا كان فيها أي خلل قانوني وإذا ما كانت تعرض الصحفي للمساءلة.