في العام 2005، وبالتحديد يوم 23 أبريل/ نيسان، رفع الشاب الأمريكي جاويد كريم –كان عمره وقتها 25 عامًا- مقطع فيديو قصير على الإنترنت بعنوان “أنا في حديقة الحيوان”. غيّر هذا المقطع الذي لم تتعد مدته 19 ثانية، تاريخ صحافة المواطن في عالمنا، إذ أعلن كريم من خلاله عن ولادة موقع يوتيوب، الذي تسبب بسرعة شديدة في ثورة في عالم الصحافة المرئية والشعبية، وأصبح بعده كل إنسان قادر على أن يكتب، ويصور، ويُخرج، وينشر، ويوزع محتواه في العالم كله.
اليوم، وبعد مرور نحو 16 عامًا على ظهور يوتيوب في عالمنا، أصبح هناك آلاف القنوات الشعبية الناجحة التي يديرها مواطنون من مختلف البلدان والثقافات والأعمار، تختلف في محتواها، لكن يتفق أغلبها في حاجته لاستديو خاص يتضمن بعض المعدات –حتى ولو كانت بسيطة- قادرة على إخراج المحتوى المرئي بشكل متكامل.
هنا، سنصحبكم في رحلة شيقة من محطتين، الأولى ستساعدكم على فهم ماهية الأفكار المبتكرة التي يحتاجها عالم الإنترنت في الوقت الحالي، أما المحطة الثانية فستعلمكم بطريقة عملية وغير مكلفة كيفية إنشاء استديو خاص بكم في واحدة من غرف منزلكم، يتيح لكم تقديم محتوى مرئي قادر على التواجد، والمنافسة، وتحقيق ربح وتأثير في عالم الإنترنت. لا داعي لتضييع الوقت، دعونا نبدأ رحلتنا.
المحطة الأولى: الفكرة قبل الاستديو
يُخبرنا أسامة الديب، مدرب المحتوى الرقمي ومدير تحرير قسم الوسائط المتعددة بمؤسسة أونا المصرية للصحافة والإعلام، أن تجهيز استديو في منزلكم لهو أمر مهم بدرجة كبيرة، لكنه ينصحكم بخطوة مهمة أخرى يجب أن تسبق عملية الشروع في تنفيذ استديو منزلي، تتمثل في إيجاد فكرة مبتكرة، ويضيف “الديب” في حواره لشبكة الصحفيين الدوليين أن المضمون المختلف لأي مقاطع فيديو صار هو الفيصل الأساسي في انتشارها ونجاحها، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حظي به موقع يوتيوب وفيسبوك في عالمنا العربي، إذ صار حلمًا سريعًا للبعض للثراء بسبب نجاح بعض أصحاب القنوات في جني أرباح طائلة بفضل محتواهم.
لكن وفق “الديب”، فالنجاح في عالم فيديوهات الإنترنت ليس سهلًا، لكنه كذلك ليس مستحيلًا، مضيفًا أن المضمون هو البطل دائمًا والضامن الرئيس للتواجد وسط الآلاف من صناع المحتوى المرئي في عالمنا العربي، ويكمل “الديب” أن هناك العديد من التجارب التي تؤيد فكرة أن الاهتمام بالفكرة وتطويرها والعمل عليها قد يكون أهم بكثير من إنفاق أموال على معدات تصوير وإضاءة بلا فائدة.
ويعرض أسامة الديب عبر حديثه مثالين عمليين يؤيدان وجهة نظره، المثال الأول هو الكوميديان المصري أحمد أمين الذي بدأ نجاحه منذ سنوات قليلة بعد تقديمه فيديوهات مصورة من خلال الهاتف المحمول تحت عنوان “إزاي تعمل …. في ٣٠ ثانية؟”، وتضمنت حلقات “أمين” عدة مواضيع مثل تأليف الشعر، والغناء، والتلحين، والرسم، في إطار كوميدي لطيف نقله من مواقع التواصل واليوتيوب إلى شاشة التليفزيون مرورًا بالسينما إلى أن وصل أن يصبح أول ممثل مصري يتعاون مع شبكة نيتفلكس العالمية من خلال حلقات “ما وراء الطبيعة” التي حققت نجاحًا كبيرًا.
ويؤكد “الديب” على أنه رغم استخدامه لأدوات متواضعة في مقاطعه الأولى، إلا أن المحتوى المتميز الذي قدمه أحمد أمين هو ما دفعه لمصاف النجوم وجعله قادرًا على المنافسة وتحقيق نسب مشاهدة عالية.
المثال الثاني، وفق “الديب”، هو لشاب عراقي يدعى أمير بروز والذي تخصص في تقديم المحتوى الشائع على اليوتيوب والمتمثل في تحدي الأكل، لكنه قدمه بشكل مختلف وغير تقليدي، من خلال قناته الأحدث ” MRE” والتي تعني “Meal Ready To Eat” والتي انشأها مطلع شباط/فبراير ٢٠٢٠ وكان رهانه وقتها على المضمون، فقدم فكرة عبقرية وسهلة، إذ خاطب جيوش العالم طالبًا منهم إرسال وجبات المجندين لديهم ليتذوقها أمام الكاميرا ويبدي رأيه فيها بشفافية وصراحة.
استجاب لـ “بروز” بالفعل جيوش دول عدة، وأرسلوا له وجبات جنودهم، فجلس صاحب القناة أمام الكاميرا يشرح الوجبات ويحللها، وفي غضون ١٤ شهرًا فقط قدم ١٢ فيديو بالقناة حققوا مشاهدات ضخمة، حيث حققت القناة في وقت قصير ما يقترب من ٢٠ مليون مشاهدة، وتخطى كل فيديو حاجز المليون وما زال يحسب مشاهدات وأموال يوميًا عبر فكرة بسيطة لكنها عبقرية.
“لا تكونوا مثل بعض صناع المحتوى المرئي على الإنترنت، تبتزون مشاعر المشاهدين، أو تجعلون أنفسكم مادة للسخرية، أو حياتكم مشاع، لمجرد تحقيق نسب مشاهدة عالية، فأولًا: هناك من سبقكم في ذلك، وثانيًا: حدثت عملية تشبع لدى المستخدمين الذين باتوا يرغبون في محتوى مختلف وجديد”، هكذا يختصر لكم أسامة الديب روشتة النجاح في إيجاد أفكار مبتكرة لعالم المحتوى المرئي على الإنترنت، مضيفًا: “اقتربوا من حاجة الآخرين، اشبعوا رغباتهم وفضولهم وربما جهلهم أحيانًا”.
ويذكركم “الديب” أن الفيديو الشهير على يوتيوب الذي يحمل عنوان “كيف تربط ربطة عنق؟”، والذي لا تتعدى مدته الستة دقائق، شوهد نحو ٧٩ مليون مرة، رغم بساطة فكرته، وعلى الرغم أنه صور بكاميرا بسيطة منذ نحو عشر سنوات، لكن المحتوى كان خدميًا ومهمًا للغاية، واستطاع أن يجيب على تساؤل بسيط لدى شريحة كبيرة من المستخدمين، من دون إبهار بالمعدات أو استعراض مواهب في المونتاج، وإنما ببساطة وذكاء ورهان على المضمون.
المحطة الثانية: ابدأوا في صنع استديو منزلي
لننتقل إلى المحطة الثانية، ونتحدث عن المعدات التي ستحتاجونها بعد تجهيز فكرة مبتكرة، لصناعة استديو منزلي بسيط يتيح لكم تحويل فكرتكم إلى منتج محترف يتناسب والعصر، ووفق أشرف رمضان، الصحافي التليفزيوني ومنشئ المحتوى على يوتيوب، فإن المعدات المختارة بعناية، سواء كانت رخيصة أو غالية، قادرة على مساعدتكم في تنفيذ فكرتكم بشكل مبهر، المهم أن تتعلموا كيفية توظيف هذه المعدات بشكل سليم.
يقول “رمضان” في حواره مع شبكة الصحفيين الدوليين إن أهم خطوة في عمل استديو منزلي هي اختيار غرفة هادئة بعيدة عن شرفة المنزل أو غرفة المطبخ، باعتبارهما أكثر مكانين يسببان ضوضاء في المنزل، ويفضل أن تكون هذه الغرفة صغيرة وبها بعض الأثاث الذي يمنع وجود صدى صوت، وأن تكون مخصصة فقط للتصوير، حتى تثبتون فيها الأدوات التي ستحتاجونها أثناء عملية التصوير بشكل دائم ولا تضطرون لتحريكها كثيرًا من غرفة لأخرى.
وبحسب “رمضان” فأن الخطوة الأهم التي يجب أن تهتموا بها أثناء عمل استديو منزلي هي تجهيز الإضاءة الجيدة، ويضيف أن استخدام كاميرات غالية لن يفيدكم إذا كانت الإضاءة في الغرفة ضعيفة، بسبب أن جودة التصوير تعتمد بدرجة كبيرة على الإضاءة القوية. وهنا ينصحكم “رمضان” بشراء مجموعة إضاءة “Softbox” محترفة، على أن تكون موزعة في الغرفة بشكل جيد.
والـ “سوفت بوكس” هو عبارة عن نوع من معدات الإضاءة في التصوير يقوم بنشر الضوء بطريقة أكثر نعومة وليونة، إذ إنه يقلل من الظلال القاسية التي قد تشوه الصورة، ويمكنكم التعرف عليه أكثر من هنا.
وسواء كنتم ستصورون بكاميرا محترفة أو بكاميرا الهاتف المحمول فأنتم في حاجة إلى حامل ثلاثي “تريبود” لوضع الكاميرا عليه، وميكروفون خارجي جيد كي يكون الصوت واضحًا أثناء التسجيل، ويرى “رمضان” أن الميكروفون ليس شرطًا أن يكون غاليًا، المهم أن يوفر لكم الجودة في التسجيل، وبحسب “رمضان” فإن الأفضل من حيث السعر والجودة هو “النك مايك” الذي تنتجه شركة “بويا” والذي ستجدونه في أغلب متاجر معدات التصوير في دولكم، ويفضل أن يكون أحادي الاتجاه (وان دايركشن) حتى يخرج الصوت نقيًا، وهنا مقطع فيديو به نصائح عن الميكروفون الجيد.
ستحتاجون أيضًا لشراء خلفية خضراء اللون، يطلق عليها في متاجر معدات التصوير مصطلح “كروما”، لكن ينصحكم أشرف رمضان بتعلم برامج تحرير المقاطع قبل استخدام الكروما في التصوير، لأنكم ستحتاجونها بدرجة كبيرة أثناء عملية الفصل، أما إذا كنتم غير محترفين في برامج التحرير، فيمكنكم الاكتفاء بعمل ديكور بسيط على الحائط الذي سيظهر خلفكم في الفيديو، على أن يكون مريح للعين وبألوان بسيطة، ويمكن وضع بعض اللوحات الفنية أو مكتبة للكتب كخلفية جيدة.
وفيما يخص تحرير مقاطع الفيديو ينصحكم أشرف رمضان بتحميل برامج “كين ماستر” أو “باور ديركتور” إذا كان التحرير سيكون عبر الهاتف، أما إذا كنتم ستحررون المقاطع على أجهزة الحاسوب، فالأفضل هو برنامج “آدوب بريميير”. وهنا ستجدون مقطع فيديو لأشرف رمضان وهو يشرح لكم برنامج “كين ماستر” بطريقة مبسطة.
وقبل التصوير عليكم تعلم قواعد التكوين في التصوير، والتي ستجعلكم قادرين على تحديد الشكل الأفضل لالتقاط الفيديو، ومن ثم ستصبحون مؤهلين لتحديد حجم المشهد سواء كان “ميديوم شوت”، أو “لونج شوت”، أو “أمريكان شوت”.
وإذا كنتم ستصورون المقطع بأنفسكم عن طريق وضع الهاتف أو الكاميرا على حامل ثلاثي “ترايبود” فالأفضل أن تكون الكاميرا في مستوى النظر، ويرى “رمضان” أن هذا هو أفضل وضع للكاميرا لأنه لا يحمل أي رسائل، وينصحكم بخطوة بسيطة، ولكنها مهمة، وهي أن تنظّفوا عدسة الكاميرا أو الهاتف قبل التصوير.
ويذكركم “رمضان” بأن الهواتف صُممت لتكون أجهزة متعدّدة المهام، أي أنّها تفتقر إلى كثير من الميزات الهامّة في الكاميرات المحترفة، ومنها ميزة التقريب البصري بشكل محترف، حيث تعتمد أغلب الهواتف على التقريب الرقمي الذي يضعف نوعية الصورة، لذلك عليكم بالاعتماد على الاقتراب بالحامل من الهدف الذي تريدون تصويره.
ولا تنسوا أبدًا، أن التجربة العملية بما تحتويه من أخطاء هو أحد أفضل الطرق لاحتراف التصوير، على سبيل المثال قد تجدون أن كاميرا هاتفكم لا تعطيكم النتيجة التي ترغبون بها، لا داعي لاستبدال الهاتف، بل يمكن الاستعانة وقتها بإكسسوارات إضافية، تساهم في تحسين نوعية الفيديو، مثل عدسات “مومنت وايد – آنجل” التي تباع لدى متاجر معدات التصوير والتي توضع فوق عدسة هاتفكم الذكي لمنحكم لقطة أوسع بشكل أفضل.
والآن، ماذا تنتظرون لبدء رحلتكم مع عالم الفيديو من استديو خاص بكم صنعتموه في واحدة من غرف منزلكم؟
IJNet