عبد الرحمن محمود
باتَ من الواضح توجه غرف الأخبار الرقمية في المؤسسات الإعلامية، إلى إدارة تواجدها على منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً بفيسبوك، من خلال إنشاء عدة صفحات متخصصة بتقسيماتٍ إما جغرافية على غرار الجزيرة-تركيا، أو وفق المضمون كصباح العربية.
وربما تتشابه حالة الإعلام الرقمي المتخصص مع الصحافة المتخصصة في الإعلام التقليدي، والتي تفرعت عن قنوات التلفاز والصحف المطبوعة والمجلات والبرامج المسموعة، إلا أنّ الاختلاف الأبرز بينهما هو شكلُ العرض وآلياتُ الاستهداف والتواصل مع الجمهور.
ويمكن إرجاع سبب توجه غرف الأخبار الرقمية نحو التخصص، إلى رغبتها في الحفاظ على قاعدتها الجماهيرية ورفع معدلات التفاعل بذات الوقت، في ظل زخمِ المحتوى الذي يتعرض له الفرد في كل جلسةِ تصفح، وتعدد أشكال المحتوى ومضامينه، فضلاً عن الخوارزميات المتجددة في شبكات التواصل.
منشئ المحتوى في الجزيرة نت، جهاد عويص يؤيد ما سبق، قائلاً: “يمكن اعتبار حالة التخصصية القائمة اليوم في السوشيال ميديا والتي تنضج معالمها تدريجياً في المحتوى العربي، كامتداد طبيعي ومتوقع لعصر الإعلام الرقمي، وذلك على غرار التطور والتخصصية التي ميزت أنماط العمل الإعلامي في عقود سابقة”.
ويربط عويص نجاح الصفحات المتخصصة بمدى فهم سلوك المستخدم، موضحاً: “دائمًا ما كان يقال إن المفتاح الأول لنجاحك رقمياً هو مدى معرفتك لخصائص جمهورك مع التنبؤ بما هو قادم، لذلك جاءت المنابر الرقمية المتخصصة لتلبي رغبات المستخدم وتشبع فضوله حول مواضيع محددة وتبقى في دائرة التفاعل، بعيداً عن التشتت”.
ويضيف عويص في حديثه لـشبكة الصحفيين الدوليين: “تأخذ غرف الأخبار بمبدأ (ما تراه هو ما تحصل عليه) حيث تستفيد من أحدث طرق عرض المضمون بمختلف القوالب الإبداعية، وتوظيفها في الترويج لمحتوى أكثر عمقاً وإنشاء قصص أكثر تخصصاً تجذب الجمهور”.
ويظهر المحتوى المتخصص بصورة أكبر بفيسبوك، على اعتباره من أكثر المنصات شهرة، بمعدل قارب الـ3 مليار مستخدم نشط شهرياً على مستوى العالم، بينما تصل نسبة مستخدمي فيسبوك بمنطقة الشرق الأوسط إلى 57.3% من إجمالي عدد السكان، وفقًا لما جاء في موقع statista.
وحول ذلك يتحدث المحرر الرقمي إسماعيل مقبل قائلًا: “أصبحت تطبيقات التواصل عالمًا ضخمًا فيه الكثير من المعلومات والبيانات المتراكمة يوميًا، ومن خلال التخصصية وبفضل الخوارزميات وأنظمة التقييم يصبح عثور المستخدمين على ما يتوافق مع ميولهم أسهل وأسرع، فكلما زاد توافق المحتوى عمّا يبحث عنه الجمهور زادَ تفاعله وانتشاره، وهذا ما تطمح إليه الصحافة الرقمية وهو الوصول لأكبر جمهور ممكن عبر الفضاء الرقمي”.
ويضيف مقبل لـشبكة الصحفيين الدوليين: “القطاعات المتخصصة أكثر دقة من غيرها”، موضحًا أنّ “الأخيرة ظهرت لتكون أكثر كفاءة في نقل الأخبار والتقارير من مصادرها الرسمية، والتحري الواسع عن كل ما قد يثير الشك بعيدًا عن السرعة وضغط الوقت خصوصًا بالمواضيع التي تُقام لها دراسات وأبحاث كالصحة”.
ولكن، هل يمكن القول إن تخصيص المحتوى أصبح الخيار الأفضل في السوشيال ميديا؟ يرد مقبل: “لا يمكن الجزم بذلك، فهناك مجموعة اعتبارات، أبرزها حجم المؤسسة الإعلامية، وطبيعية الإمكانيات الفنية والبشرية المتاحة، وما مدى انتشار الجمهور والتوزيع الجغرافي له، بالإضافة إلى خصائص الفئة المستهدفة من حيث لغتهم وأوقات الذروة لديهم واهتماماتهم”.
ويمكن تلخيص إيجابيات وسلبيات المنصات المتخصصة، بالنقاط الآتية:
- المميزات:
- الحصول على معدلات تفاعل عالية ومتنامية، نظرًا لتوافق المحتوى المعروض مع تطلعات الجمهور.
- سهولة البحث على البيانات والمعلومات، بسبب وجودها في نطاق محدد يسهل الرجوع له.
- خلق فرص عمل للصحفيين ممن لديهم مهارات متخصصة في المجالات ذات العلاقة.
- القدرة على تقديم ما هو جديد وأصيل بفضل الكادر المتخصص، بعيداً عن المحتوى الاعتيادي والمتناقل.
- الاستفادة من بيانات تحليل المحتوى والرؤى لقياس مدى اهتمام الجمهور في قضية ما وفهم توجهاتهم، والرجوع لها في الأبحاث والدراسات ذات العلاقة.
- العيوب:
- الحاجة إلى طاقم عمل متخصص لديه مهارات متقدمة، من كتابة وترجمة ومونتاج وتصوير وصولاً إلى النشر والترويج وليس انتهاءً بمدير العمليات ومحلل البيانات.
- تكلفة مالية مضاعفة لتوسيع الكادر العامل بما يتوافق مع التخصص المطلوب، كالحاجة إلى التعاقد مع مستشارين وأطباء لتعزيز محتوى الصفحة الصحية بمعلومات لا يمكن أن تحتمل الخطأ.
- عدم ضمان وصول المحتوى إلى الجمهور المتلقي في الوقت المناسب نتيجة لخوارزميات “فيسبوك” التي تُقيِّد عدد المنشورات التي تظهر في الصفحة الرئيسية.
- الخشية من الاصطدام بتحدي شح المحتوى وعدم القدرة على التطوير بأساليب العرض أو مواكبتها.
ويتوقع مقبل أن المستقبل سيكون للجمهور والمحتوى المتخصص سواء من ناحية المضامين أو النطاق الجغرافي، الأمر الذي يخدم من جهة أخرى المصالح المالية للقائمين على مواقع التواصل، من حيث زيادة جدوى الحملات الإعلانية على مستهلكي الأخبار المتخصصة في العالم الرقمي.
ويقول مقبل: “من فرط التخصص أننا أصبحنا نجد صفحات تفاعلية بالمحتوى الأجنبي تهتم بما هو أعمق من التخصص، كإنشاء منصة إخبارية تهتم باقتصاد الرياضة فتتناول كل ما يخص الصفقات الرياضة وأسعار اللاعبين وإحصاءات اقتصادية في الرياضة (..) لذلك أرى أنه من الضروري أن يتجهز القائمون على غرف التحرير الرقمي للتخصصية”.
وتتمثل أبرز الاستعدادات بالخطوات التالية:
- تأهيل الكوادر وتطوير مهاراتهم نحو التخصصات الرائجة خلافاً للقضايا السياسية، كـالاقتصاد والتكنولوجيا وريادة الأعمال، وكذلك القضاء والقانون.
- التأكد من إمكانية جذب الجمهور ووضع الخطط التسويقية اللازمة والتحضير الجيد لها، بحيث تكون خطوة رديفة لإطلاق الصفحة المتخصصة.
- التشديد على مبادئ الدقة والموثوقية، فهذه العناصر الأساسية تزداد أهميتها كلما كان المحتوى متخصصاً.
- الاستعداد لكسر الجمود في أساليب عرض المحتوى من صورة ونص وفيديو، نحو أفكار إبداعية متجددة تتناسب مع المضامين المتخصصة، فآليات الإخراج في قصة طبية قد لا تصلح بالضرورة مع قصة رياضية.
IJNet