مانيشا غانغولي
كانت تغطيةُ الانتهاكات أثناء صراعٍ مفتوح مهمّةً شاقّةً وتهدّد الحياة في السّابق، أمّا الآن فقد باتت أسهل بفضل تقنياتِ الإبلاغ مفتوحةِ المصدر. وبفضل كاميرات الهواتف المحمولة المتطوّرة، أصبحتْ المواد الرقميّة التي يرفعها المقاتلون الآن بأنفسهم على وسائل التّواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع على الإنترنت عالية الدّقة. أضِف إلى ذلك توفُّر صور الأقمار الصّناعيّة عاليةِ الجودة والأدوات الرّقميّة التي تمكّنك من غربلة الكميّات الهائلة من البيانات التي تُرفَع على الإنترنت، وبهذا يصبح الصّحفيون أقدر على التّحقيق في جرائم الحرب أثناء حدوثها.
كانت الحرب السّوريّة أوّل اختبارٍ لهذا، فقد كانت الحربَ التي وُثِّقتْ على أوسع نطاق في تاريخ البشريّة في ذلك الحين، وتمّ تتبُّع أحداثها عبر الإنترنت بالتّوقيت الحيّ. وهناك حالة مماثلةٌ تجري الآن في أوكرانيا، لذلك كلّفتني الشّبكة الدّوليّة للصحّافة الاستقصائيّة بصياغة هذا الدّليل للتّحقيق في جرائم الحرب باستخدام أدواتٍ وتقنياتٍ مفتوحةِ المصدر.
أنا صحفيّةٌ استقصائيّةٌ ومخرجة أفلام وثائقيّة، متخصّصةٌ في الجمع بين تقنيات المصادر المفتوحة والعمل الميدانيّ لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في الصّراعات والحروب. أنتجتُ خلال السّنوات الأربعة الماضية تحقيقاتٍ لهيئة الإذاعة البريطانيّة كشفتْ عن جرائم حرب في ليبيا وسوريا. وحصلتُ على درجة الدكتوراه بأطروحةٍ حول المعلومات الاستخباريّة المأخوذة من المصادر المفتوحة وكيف تغيّرُ هذه المعلومات مستقبلَ الصّحافة الاستقصائيّة.
إليكم هنا خمس عشرة نصيحة وتقنية للتّحقيق في جرائم الحرب:
1 – اطّلع على أنواع جرائم الحرب
تُعرَّفُ جريمة الحرب بأنّها انتهاكٌ لقواعد الاشتباك التي تحكم الحرب. إنّها أخطر الجرائم التي تُرتَكب أثناء الحرب، ولا تسقط بالتّقادم، أيّ أنه يمكن مقاضاة المذنبين بغضّ النظر عن الطّبيعة التّاريخية للجرائم.
وحدّدت اتفاقيّة جنيف أنواعا جديدة من جرائم الحرب وأنشأت ولايةً قضائيةً عالمية للمحاكمة، وتشمل جزءًا كبيرًا من القانون الإنساني الدّولي. تعرّفُ اللجنةُ الدّوليّة للصّليب الأحمر القانونَ الإنساني الدّوليّ أو قانونَ النّزاعات المسلّحة بأنّه “مجموعةٌ من القواعد التي تسعى، لأسباب إنسانية، إلى الحدِّ من آثار النّزاع المسلح. فهو يحمي الأشخاص الذين لم يشاركوا أو كفّوا عن المشاركة في الأعمال العدائيّة ويقيّد وسائلَ الحرب وأساليبها”. تنصّ المادة 7 و8 من نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة التّأسيسيّة للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة، تقدّمُ قائمةً مفصّلةً جدًا بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة.
هناك أربع فئات من جرائم الحرب: الإبادة الجماعيّة، والجرائم ضدّ السلام، وانتهاكات عادات الحرب، والجرائم ضد الإنسانيّة.
والعوامل الرّئيسيّة التي يمكن توثيقها باستخدام معلوماتٍ استخباريّةٍ مفتوحةِ المصدر هي: شنّ هجمات على المدنيين والبنى التّحتيّة المدنيّة غير المُستَخدّمة لأغراض عسكريّة، والهجمات التي تُشنُّ على المؤسّسات المحميّةِ مثل المستشفيات والمدارس، أنواع معيّنة من الهجمات مثل “الضّربات المزدوجة” التي تستهدف المُسعفين، استخدام أسلحة معيّنة محظورة مثل الذّخائر العنقودية، التّمثيل بجثث المقاتلين المعارضين وإساة معاملتهم عندما يسلّمون أنفسهم، التّمثيل بجثث المدنيين، العنف الجنسي في زمن الحرب، النّهب، التّعذيب، تجنيد الأطفال، استخدام الأسلحة الكيميائيّة أو البيولوجية. وبالنسبة لأهداف معينة، تُستخدم مبادئ التّناسُب لتقييم ما إذا كانت هذه الهجمات يمكن أن تكون جريمة حرب.
2 – تعرّف على المصادر
وسائل التّواصل الاجتماعي مصدرٌ غنيٌّ للصّور، وخاصة مقاطع الفيديو والصور التي يرفعها الجنود والعاملون في الخطوط الأماميّة، والتي يمكن أن تكون دليلاً. فيسبوك وتيليغرام وتويتر وإنستغرام وتيكتوك هي الوجهة المعتادة، لكن من الأفضل البحث في وسائل التّواصل الاجتماعي الخاصّة بكل بلد. على سبيل المثال،تحتوي منصّة VK (التي كانت تُعرف سابقًا باسم VKontakte) على معلومات وفيرةٍ منْ حسابات المقاتلين في روسيا. يوجد عادةً مجموعاتٌ على الإنترنت لعائلات المقاتلين، أو قنوات تيليغرام من قبل داعمي بعض الميليشيات وهي مصادر جيّدة. هنالك طريقة أخرى وهي العثور على حسابات على عدّة منصّات تستخدم الاسم نفسه، وقد تكون إعدادات الخصوصيّة لديها أكثر تراخيًا. في معظم الأحيان، لا يدرك المقاتلون أنهم ارتكبوا جريمةَ حربٍ أو لا يخشون عواقبها، لذلك لا يكلّفون أنفسهم عناء إخفائها.
في تحقيقٍ من ليبيا لهيئة الإذاعة البريطانيّة، كشفتُ أدلّةً على التّمثيل بجثث المقاتلين والمدنيين الأسرى من قبل أفراد من لواء القوّات الخاصّة في الجيش الوطني الليبي، من خلال الحسابات الشّخصيّة العامّة على فيسبوك للجناة، ومقاطع فيديو لعمليات إعدام بدون محاكمة على تويتر. كانوا يرفعون الأدلة كدعاية، ويستخدمونها للتّحريض على العنف بين مؤيّديهم على الإنترنت.
3 – التحقُّق
ستجد في معظم الأحيان مقاطع فيديو منفردة وليست من حساب شخصٍ على وسائل التّواصل الاجتماعي. الخطوة الأولى المهمّة هي التّحقُّق باستخدام أداةٍ للبيانات الوصفيّة للفيديو (video metadata tool) للتأكُّد من أن الفيديو قد صَوّرَ فعلاً ما يزعم تصويره. من الأدوات التي قد تساعدك في ذلك: InVid،Google Reverse Image Search ، TinEye، RevEye، Yandex، Baidu، Google Lens، Exiftool، Redfin، أداة التّحقّق من الفيديو من منظمة العفو الدوليّة،وTrulymedia.
بمجرّد إثبات صحّة الفيديو، فإن الخطوة التّالية هي العثور على أدلّةٍ داعمة. إذا كان هنالك نسخٌ أخرى من الفيديو على الإنترنت بجودةٍ أعلى، فيجب تنزيلها لأنها ستكون أفضل لاستخدامها في التعرُّف على الوجوه. وإذا كان هنالك مقاطع فيديو أخرى من زوايا مختلفةٍ لنفس الحدث فستكون المقاطع مهمّةً جداً لتصوُّر الحدث.
4 – أرْشِف كلّ شيء
الخطوة التّالية بعد التحقُّق هي الأرشفة. هذا أمرٌ بالغ الأهميّة فهنالك احتماليّة أن يغيّر صاحبُ الموادّ إعدادات خصوصيّتها وقد يحذفها. وفي حالات أخرى، كما كان الحال في سوريا وميانمار، فقد أذنبت شركاتٌ مثل فيسبوك عندما أزالت صور وفيديوهات للفظائع وجرائم الحرب التي كانت ستكون أدلّة ضرورية للمحاكمات الدولية لو أنّها لم تُحذف. ولذلك، هناك حاجة ماسّة للمحافظة على الأدلّة بأسرع ما يمكن.
عند الاستقصاء عن حدثٍ معيّن أو مقاتلٍ معيّن، فإنّه من الأفضل دائمًا أرشفة كلّ ما يتعلّق بالحدث أو كلّ ما هو موجود على حساب المقاتل. بالنّسبة لحسابات وسائل التواصل الاجتماعي للمقاتلين، منِ المفيدِ أرشفةُ حساب المقاتل كاملاً ومن ثم التفرُّع إلى قوائم الأصدقاء المفتوحة للعثور على رفاقه في القتال. في كثيرٍ من الأحيان، إذا كان لديك اسم المقاتلين ولكن حساباتهم غير متاحة للعامّة، سيكون هنالك حسابات عامّة مرتبطة بهم، يمكنك استخدامها بعد ذلك للتحقُّق من هوياتهم.
الأداة التي استخدمتُها للأرشفة هي Hunchly ، وهي أداةٌ تخزّنُ أوتوماتيكيًا وتوفّرُ الوقت. Wayback Machine أداةٌ مفيدةٌ أيضًا للأرشفة عبر الإنترنت. أبدأُ عادةً بجدول بيانات على غوغل (Google spreadsheet) لتسجيل الرّوابط، وبمجلّدٍ منفصلٍ لتحميل نسخٍ عالية الدّقّة من الصّور ومقاطع الفيديو، ويعمل Hunchly في الخلفية تلقائيًا لأرشفة صفحات الويب بالتوقيت الحيّ.
5 – عزّز معلوماتك بسؤال شهود العيان
إن تعزيز الأدلّة بسؤال الأهالي في الميدان خطوةٌ مهمةٌ للغاية ولكن غالبًا ما يتمّ تجاهلها. هذا ليس مجرّد عملٍ صحفيٍّ يعتمد على المصادر المفتوحة، وأنا أفضُّلُ اتّباع نهجٍ هجين لنتأكّد من تغطية كلّ شيء. كما يمكن لهذه الخطوة أن تقدّم في بعض الأحيان معلوماتٍ جديدة، مثل معلومات شهود العيان الذين يقدّمون تفاصيل إضافيّة تقوّي التّحقيق.
على سبيل المثال، في تحقيقٍ آخر أجرتْه هيئةُ الإذاعة البريطانيّة (بي بي سي) في مقتل السياسيّة الكرديّة الوحيدة في سوريا “هيفرين خلف” على يد ميليشيا مدعومة من تركيا، تمكّنّا في الواقع من العثور على شاهدِ عيانٍ عثرَ على الجثّة بعد مقتلها مباشرة، وتمكّنَ منْ ملءِ فجوات مهمّة في القصّة.
6 – تحديد الهوية
إذا كان الفيديو يصوّر مقاتلاً معيّنا يرتكب جريمةَ حرب، فإن تحديد هويةِ المقاتل أمرٌ بالغ الأهميّة. أدوات التّعرُّف على الوجه مثل Pimeyes مفيدة جداً، ولكن بالنّسبة للتّحقيقات الروسية الأوكرانية ، فالأداة الأفضل هي FindClone ، وهي جيّدةٌ إلى حدٍّ مخيف.
كانت الأداة دقيقةً بشكل مريب وساعدتْني في التعرُّف على كلّ مرتزقةِ “فاغنر” تقريبًا الذين كانوا يعيثون فسادًا في ليبيا بينما كنت أعمل على تحقيقٍ آخر لهيئة الإذاعة البريطانيّة.
7 – تتبُّع الحركات عن بعد
تتبُّع الحركات العسكريّة عن بعد باستخدام أدوات التتبُّع مثل Marine Traffic وFlightradar24 وADSB Exchange قد يساعد في تحديد المواقع التي جرت فيها الانتهاكات في حالات الإنكار المعقول.
مثلاً، إذا ادّعى مسؤولٌ عسكريٌّ أن إحدى طائراته لم تقصف هدفًا محددًا، فقد تدحضُ بياناتُ جهاز الإرسال والاستقبال هذا الادّعاء عندما تدلُّ على ذلك الموقع بالضّبط في لحظة الهجوم. (ملاحظة: يمكن للطّيارين إيقاف أجهزة الإرسال والاستقبال حتى لا يُكتشف أمرهم عند ارتكاب جريمة ما).
8 – التّحليل المتخصّص: الوحدات العسكريّة
عند التّحقيق في الانتهاكات في النّزاعات التي يظهرُ فيها الجناةُ أمام الكاميرا، يجب الانتباهُ إلى عنصرين مهمّين آخرين: الشّارات والأسلحة. الشّارات القماشيّة وغيرها من شارات الزي الموحّد والعلامات على المركبات مفيدةٌ للتّوصُّلِ إلى نمطٍ سلوكيّ داخل وحدةٍ عسكريّةٍ محدّدة، مما قد يساعد في معرفة المسؤولين عن جرائم الحرب ضمن التراتبيّة القياديّة. إذا كان جنودُ وحدةٍ معيّنة ينشرون مقاطعَ فيديو عنيفة أكثر من سواهم، فإن ذلك يشير في كثير من الأحيان إلى إفلاتهم من العقاب. صفحة ويكيبيديا المخصّصة للشارات العسكريّة مفيدةٌ جدًا.
في تحقيقي لهيئة الإذاعة البريطانيّة عن جرائم الحرب الليبيّة، ظهرتْ شاراتُ لواء الصّاعقة مرارًا وتكرارًا في مقاطع الفيديو العنيفة. الصّاعقة لواءٌ من القوّات الخاصّة في الجيش الوطنيّ الليبي، بقيادة “محمود الورفلي” (قائد في اللواء) الذي كان مطلوبًا من قبل المحكمة الجنائيّة الدّوليّة بتهمة ارتكاب 33 جريمة قتل وأمر بقتل غير المقاتلين. عندما صدرتْ مذكرةُ اعتقاله ولم يُعتقل، كشفَ ذلك ثقافةَ الإفلات من العقاب التي دفعتّني إلى التّحقيق في جرائم وحدته.
9 – التّحليل المتخصّص: الأسلحة
الأسلحة عنصرٌ مهمٌ آخر يجب الانتباه إليه: ما هي الأسلحة المُستَخدمة وأين تُستخدم ومن قِبل منْ. بعض الذّخائر، مثل الذّخائر العنقوديّة، محظورةٌ دوليًا بموجب معاهدة منفصلةٍ للأمم المتّحدة. وهي مكوّنةٌ من ذخائر أصغر تنفجرُ عند إسقاطها من الجوّ وتلحقُ الضّرر بالمدنيين. وقد تمّ توثيق استخدامها في سوريا، واستُخدمتْ مؤخرًا في أوكرانيا من قبل الجيش الرّوسي باستخدام صواريخ BM-21 Grad. من قواعد البيانات المفيدة لتتبُّع تحرّكات الأسلحة ما يلي: قاعدة بيانات جين، وقاعدة بيانات جامعة جنيف للأسلحة الصغيرة، وSIPRI، ومعاهدة تجارة الأسلحة.
وفي حالات أخرى، يشير استخدام أسلحة محدّدة إلى انتهاكاتٍ للعقوبات وحظر الأسلحة. وقد توصّلَ تحقيقٌ آخر أجريته أنا وزملائي مع هيئة الإذاعة البريطانيّة في ليبيا إلى أن الهجوم الذي أسفر عن مقتل 26 طالبًا عسكريًا أعزل قد نُفِّذَ فعليًا بواسطة طائرة صينيّة بدون طيار تحرّكها الإمارات العربيّة المتّحدة، وهما حليفان غير متوقّعين في حربٍ لا ينبغي لهما المشاركة فيها، منتهكين بذلك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتّحدة.
10 – العنف الجنسي
العنف الجنسي، مثل الاغتصاب، يصبح جريمةَ حربٍ أيضًا عندما يرتكبه المقاتلون في زمن الحرب. كثيرًا ما يتمّ تجاهله، ولا يوجد توافق في الآراء بشأن ما يمكن تصنيفه على أنّه عنفٌ جنسيٌّ في زمن الحرب، ولكنّه من أكثر جرائم الحرب شيوعًا.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك هو استخدام الاغتصاب كسلاحِ حربٍ منْ قِبل جنود قوّات الدّفاع الوطنيّ الإثيوبيّة في حرب التيغري، أو اغتصاب نساء الرّوهينغا المسلمات على أيدي الجنود البورميين خلال الإبادة الجماعيّة للرّوهينغا.
11 – دوّن المستشفيات والمدارس والأهداف المدنيّة المعروفة
تتمتّع المستشفيات والمدارس بحمايةٍ خاصة في زمن الحرب، وكذلك المدنيون. ويجب ألا يكون المدنيّون هدفًا للهجوم، ويمكن أن يكون تحديدُ الموقع الجغرافيّ للّقطات مفتوحةِ المصدر أداةً مفيدة لمعرفة ذلك. أدواتُ تحديد الموقع الجغرافي مثل Google Earth و Yandex Mapsو Sentinel Hub و Echosec و Wikimapia قد تساعد في تأكيد المواقع التي يجب التّحقُّق منها، وSuncalc أداةٌ مفيدةٌ لتحديد وقت الهجوم (عندما تكون الظّلال مرئية). Liveuamap نقطة انطلاق جيّدة للحصول على إحداثيات لهذا النّوع من التّحقيقات، قبل أن تنتقل إلى صور الأقمار الصناعيّة باستخدام Google Earth. Bellingcat يحتوي بعض الأدلّة المفيدة وأمثلة ممتازة على الموقع الجغرافي.
ومن الأمثلة على هذا النّوع من التّحقيقات هو مركز احتجاز المهاجرين في ليبيا الذي تعرّض للقصف. اللقطاتُ الأرضيّةُ من وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وأدواتُ تحديد الموقع الجغرافي أظهرتْ أن مركز الاحتجاز كان بقرب مستودع أسلحة قُصِفَ قبل شهرين، وهو ما أكّدته صحيفة نيويورك تايمز. ومع ذلك، ذكرتُ لاحقًا لبي بي سي العربية أن التّفجير تمّ بواسطة طائرةٍ أجنبيّة، منتهكًا بذلك حظر الأسلحة الذي فرضتْه الأمم المتّحدة على ليبيا، مما جعلها جريمة حرب.
12 – التّوقيت بالغ الأهميّة
يحمي القانون الدّولي العاملين في المجال الطّبي والمستشفيات، كما ذكرنا آنفًا. ولهذا فإنّ استهداف المسعفين، كما هو الحال مع “الضّربات المزدوجة” يُعتبر جريمة حرب، عندما يُتْبعُ القصفُ الأوّل بقصفٍ ثانٍ سريعًا لقتل المسعفين الذين يحاولون مساعدة الجرحى. اتُّهِمتْ روسيا بارتكاب غاراتٍ جويّةٍ مزدوجة في سوريا، أبرزها في سوقٍ مدنيّ في إدلب سنة 2019، والتي حققتُ فيها لصالح هيئة الإذاعة البريطانيّة.
سلوك مهمٌ آخر يجب البحث عنه وهو عندما لا يُبدي الجيش الغازي أيّ رحمة رغم استسلام القوّات المدافِعة الواضح.
13 – التّواصل
الجنود الذين يرتكبون جرائم الحرب ويوثّقونها يفعلون ذلك غالبًا لأنّهم يشعرون بأن القوى القائمة تحميهم. وهذا يجعلهم لا يجدون غضاضةً في التّواصل والإقرار بسلوكهم في بعض الحالات.
بعد أن أكملتُ جمعَ الأدلّة على التّمثيل بالجثث في مذبحة “قنفودة” في ليبيا، تواصلَ فريقنا مع بعض المقاتلين الذين كشفتُ أنهم منْ ارتكبوا هذه الجرائم، لنعطيهم حقّ الرّد. أحدهم كان يتفاخر بأفعاله مدّعيًا أنه لا يمكن المساس به.
14 – أمن المعلومات
قبل التّواصل مع مقاتل تتّهمه بارتكاب جريمة حرب، من الضّروري التّأكُّد من أن الأدلة مدعومة بأمان، وأن الأجهزة المستخدَمة للتّحقيق والاتّصال آمنة. هنالك مصادر كثيرة على الإنترنت عن الأمان الرّقميّ، ولكن الأساسيات المهمّة تقتضي استخدام مديرٍ لكلمات المرور والمصادقة الثّنائيّة والشّبكات الخاصّة الافتراضيّة (VPN) واستخدام حساباتٍ وهميّة للاستقصاء عبر وسائل التّواصل الاجتماعي. تقدّم شبكةُ GIJN قائمةً بأفضل الممارسات.
15 – التّوعية بالصّدمات النّفسيّة
غالبًا ما يتمّ تجاهلُ التّوعية بالصّدمات النّفسيّة، مع أنّها قد تكون الجزء الأهمّ في التّحقيق في جرائم الحرب، والتي تنطوي غالبًا على ساعاتٍ طويلة من البحث في صور وفيديوهات عنيفة جدًا على الإنترنت. تدعو الممارسات الفضلى إلى أخذِ فترات راحة منتظمة وإجازات، والحديث الصّريح مع الزّملاء عن تأثير هذا العمل، وكتم الصّوت عند التّحقيق في فيديوهات القتل العنيفة.
هنالك احتماليّة كبيرة للتعرُّض للصّدمة غير المباشرة جرّاء هذا النوع من العمل، وفي بحثي لنيل درجة الدكتوراة قابلتُ ثلاثين خبيرًا من خبراء المصادر المفتوحة في هذا المجال، وتوصّلتُ إلى أن 90٪ من المحققين أبلغوا عن آثار على صحتهم النّفسيّة التي تراوحت بين الكوابيس والأرق والاكتئاب والقلق والانسحاب الاجتماعي، وصولاً إلى مسائل خطيرة مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والتّفكير في الانتحار. يجب على المديرين الذين يشرفون على هذا النّوع من التّحقيقات أن يدعمواالمحقّقين الذين يحتاجون إلى مساعدةٍ خاصّة وتدريب الموظّفين على الصّمود، في حين يجب على العاملين لحسابهم الخاصّ أن يحرصوا على تنظيم انفعالاتهم وأن يتلقّوا المشورة أو الدّعم لصحّتهم النفسيّة. وقد أظهرت الأبحاث أن الصّحفيين الذين يجرون هذا النّوع من التّحقيقات عادةً ما تكون لديهم درجة تحمُّلٍ كبيرة للصّور العنيفة ولديهم مرونةٌ طبيعيّة، لذلك يحتاجون فقط إلى بيئةٍ داعمة ليقدّموا أفضل ما عندهم.
gijn