عمرو العراقي
قد يبدو مصطلح الدحيح غريباً بعض الشيء حين يأتي صفةً للصحفي، لكنه بالطبع لفظٌ دارج بالنسبة إليكم نظراً لشهرة البرنامج الذي يحمل نفس الاسم، والذي اشتهر بتقديم سلسلة من الحلقات لتبسيط العلوم وبتقديم معلومات عن التكنولوجيا، وذاع صيته بشكل واسع بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ليست هذه هي المرة الأولى التي تُطلَق فيها صفة الدحيح على الصحافة، إذ نشر ألبرتو كايرو – أستاذ جامعي – كتاباً بعنوان “صحافة الدحيح”، يستعرض خلاله أثر البيانات والتكنولوجيا الرقمية على صناعة المواد الإخبارية.
وفي هذه السلسلة من التدوينات، التي تحمل نفس العنوان، أشارك معكم عدداً من النصائح والتقنيات التي يمكن توظيفها في شتى مراحل العمل الصحفي، بدءاً من البحث عن أفكار للكتابة عنها وجمع البيانات ومعالجتها حتى مرحلة نشر القصة ومشاركتها مع الجمهور.
كيف تأتي الأفكار؟
تختلف مهمة الصحافي عن القاص، رغم أنّ كلاهما يسرد أحداثاً وينقل تفاصيل مشاهد حياتية، لكنّ الصحافي محكوم بما يحدث في الواقع بينما القاص ينسج تفاصيل كل ما يمليه عليه خياله، وهو ما يجعله قادراً على إنتاج المحتوى في أي لحظة بدون التقيد بأفكار محددة أو قالب معين للكتابة، بينما الصحافي يبحث عن حقائق ويجيب على أسئلة محددة، ما يجعله دائماً يشعر بندرة المعلومات وبالتالي ندرة الأفكار التي عليه تناولها.
كنتُ ألجأ إلى حيلة – على الأرجح أنكم تستخدمونها أيضاً – في بداية مساري الصحفي، عندما كنا نجتمع أسبوعيّاً مساء يوم الأحد في صالة تحرير جريدة “المال” لعرض أفكارنا على هيئة التحرير. كانت الحيلة هي أن أُكثر من كلمة “متابعة” لأروج لفكرة جديدة منبثقة من مادة صحفية قديمة، كأن أقول مثلاً “سوف أجري متابعة لتأثير خبر زيادة رأس مال شركة ما على توسيع أنشطتها”، أو “متابعة لإعلان شركة ما عن توزيع أرباح على حملة الأسهم”. تلك الحيلة فعالة ويمكنكم تجربتها إذا نضبت أفكاركم وكنتم تبحثون عن مخرج لإنتاج المحتوى.
في الصحافة الاقتصادية، لا تُظهِر البيانات الصورة كاملة ولا تجيب عن كل شيء، لذا كانت حيلة “المتابعة” فعالة لإيضاح الصورة والإجابة على أسئلة عديدة لتفسير الأسباب ورصد حجم تأثير البيانات على حركة الأسهم وانطباعات المساهمين، لكن هل تجدي المتابعة في كل الحالات؟
حدّد لمن تكتب
لتحدّد ماذا تكتب، عليك أولاً أن تحدد لمن تكتب. يساعدك تحديد الجمهور المستهدف على تحديد الموضوعات التي تهمهم وكذلك الوسيلة التي يمكنك الوصول إليهم بها؛ الجمهور المهتم بالموضوعات الاقتصادية يفضل تصفح المخططات البيانية ويجيد قراءتها بسهولة لأنه معتاد على رؤيتها في تقارير الأعمال، بينما الجمهور المهتم بالأعمال الأدبية يميل إلى قراءة النثر الطويل المستفيض في الشرح والتفسير.
حين تحدّد هوية جمهورك المستهدف، ستنجح في اكتشاف الموضوعات التي يهتمون بها. بالطبع تمتلك المؤسسة الصحفية التي تعمل بها حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، عليك الاطلاع بشكل دوري على ديموغرافية الجمهور المتفاعل مع محتوى مؤسستك على تلك المنصات، لتحدد ما هي الفئة العمرية الأكثر متابعة للمنشورات وما هي قائمة الدول أو المدن الأكثر متابعة للمحتوى. ربما يوفر “فيسبوك” مميزات لعرض مثل هذه التحليلات، لكن منصة “تويتر” لا توفر مثيلتها، لذا أرشح لكم أداة followerwonk التي توفر تحليلات لحسابات تويتر؛ الجيد أنها تكشف تحليلات المنافسين لك أيضاً ولا تشترط أن تكون أنت صاحب الحساب المُستَعلم عنه لتمدك بمعلومات عن التوزيع الجغرافي والشريحة العمرية للمتابعين.
شخصيّاً، أُفضل استخدام أداة buffer التي تعطي تحليلات عن الجمهور في العديد من منصات التواصل الاجتماعي. وتظهر الصورة التالية عرض أداة buffer لجمهور إحدى الصفحات التي أديرها.
هناك حكمة إنجليزية تقول “قياس واحد لا يناسب الجميع”. وبالرغم من أن موضوع مثل “كوفيد 19” يهم جميع الناس بكافة فئاتهم وأعمارهم، فإنّ لكل فئة من الجمهور ما يناسبها من محتوى، فيفضل أصحاب الشهادات الأكاديمية العليا الاطلاع على نتائج الأبحاث والتقارير والاحصائيات المتراكمة، بينما يفضل عموم الناس متابعة تطور الأرقام فقط يوميّاً ومقارنتها بالأيام السابقة في شكل ثابت وبسيط. لذا، يساعدك تحديدك لجمهورك في إنتاج ما يتطلعون إليه من محتوى شكلاً وموضوعاً.
تعمق في التحليل
في الماضي كانت الصحافة هي ما تصنع الموضوعات الشائعة، أو ما يسمى الآن بالتريند. أما الآن، ففي ظل تعدد قنوات الاتصال وتحول الجمهور من مستهلك للمحتوى إلى منتج له، بات على الصحافة متابعة التريند وملاحقته ـ ليس انسياقاً مطلقاً، أو نقلاً مجرداً من الإبداع أو القيم الصحفية الراسخة، وإنما باعتباره وسيلة لقياس اهتمامات الجمهور ومعرفة الموضوعات الشائعة، لتغطيتها صحفيّاً.
تساعد أداة Crowed Tangle في متابعة الموضوعات الشائعة على منصات التواصل الاجتماعي بحسب تصنيفات مختلفة كجهة النشر وطبيعة المحتوى، مع وضع مؤشرات عن حجم التفاعل والتعليقات والمشاركات. في الصورة التالية، مثلاً، توضح الموضوعات الشائعة في مصر حول كوفيد 19.
أثناء عملي محرراً في منصة “ياهو مكتوب”، كنت أقضي ساعات عملي الأولي من كل يوم في رصد ومتابعة وتحليل عدد من المؤشرات الرئيسية من أجل الخروج في نهاية المطاف بما كنا نطلق عليه حينها “القصة الناجحة” التي تتحقق فيها كل المواصفات، حتى نضعها على واجهة الموقع، ليطَّلِع عليها الملايين من زوار الموقع. هكذا يتكرر الأمر يوميّاً؛ متابعة المؤشرات ومن ثم اتخاذ القرار ثم التحرك للنشر ومتابعة الأثر والنتائج. في كثير من الحالات، كنا نُغير القصة حال لم يكن رهاننا عليها فعالاً ولم تنجح في تحقيق ردود الفعل المرجوة منها، ونختار قصة أخرى. إحدى هذه المؤشرات التي كنا نرصدها ونحللها كل يوم هي:
قائمة الوسوم الشائعة على تويتر في البلدان التي نهتم بتغطيتها.
قائمة الفيديوهات الرائجة على موقع يوتيوب في البلدان التي نهتم بتغطيتها.
الموضوعات الأكثر قراءة في كافة المواقع الإخبارية الدولية، مثل بي بي سي وسكاي نيوز والحرة.
قائمة الموضوعات الأكثر تصفحاً في موقعنا يوميّاً.
قائمة الموضوعات الأكثر تفاعلاً على حساباتنا على منصات التواصل الاجتماعي.
قائمة الصفحات الأطول في مدة التصفح على منصتنا.
قائمة الموضوعات الأقل تصفحاً في موقعنا يوميّاً.
قائمة الموضوعات الأقل تفاعلاً على حساباتنا على منصات التواصل الاجتماعي.
قائمة الصفحات التي يخرج منها الجمهور بعد لحظات قليلة من التصفح.
يمكنم أيضاً القيام بالقياس والاختبار باستمرار، ومتابعة وتحليل مثل هذه المؤشرات من خلال Google analytics، وربط بعضها ببعض. يساعد ذلك في معرفة الموضوعات التي ستنجح في الوصول إلى عدد كبير من الجمهور، وتلك التي لا تصلح الكتابة عنها.
ابحث عن الكلمات المفتاحية
تساعد أداة اتجاهات جوجل Google Trends في استكشاف الموضوعات الشائعة بحسب الدولة أو المدينة. إذا لم يكن لديك أفكار على جدول أعمالك اليومي، يمكن أن تبدأ بفحص ما هو شائع في محيطك أو في المناطق التي تستحوذ على فئة كبيرة من جمهورك.
إذا كنت مهتماً بمتابعة ملف محدد أو قضية ما، وتهتم برصد كل مستجداتها، عليك تفعيل خاصية التنبيهات التي توفرها جوجل أو الاشتراك في خدمة talkwalker التي تتيح لك إنشاء تنبيه باستخدام كلمة مفتاحية معينة. يمكنك تحديد آلية تنبيهك لتصلك رسالة بريدية كل يوم أو كل أسبوع بحسب اختيارك. وتتيح talkwalker بيانات عن كل ما نشر بخصوص الكلمة المفتاحية، سواء كانت في الأخبار، أو على منصة تويتر، أو كانت جزءاً من مناقشات في إحدى المدونات.
تساعدك الكلمات المفتاحية أيضاً في تحديد الموضوعات المرتبطة بكلمة رئيسية تشغل اهتمامات الجمهور. إذا كنت تستخدم متصفح كروم، يمكنك تنشيط عدد من الإضافات إليه، مثل أداةKeyword everywhere التي تعطيك منحنى لمدى شعبية كلمة محددة عند بحثك عنها في محرك بحث جوجل. تساعدك الأداة على معرفة إذا كانت هذه الكلمة في قمة اهتمامات الجمهور أم لا، كما تُظهِر لك أيضاً كلمات أخرى ذات صلة يبحث عنها الناس. على سبيل المثال، إذا وضعت كلمة “كورونا” ستظهر لك كلمات مرتبطة بعملية البحث كأنواع اللقاحات، وكورونا في الهند، والفطر الأسود، وهي كلمات يبحث عنها الناس أيضاً. وبالتأكيد، عندما تتوفر لديك مثل هذه المعلومات سوف تخطط لإنتاج محتوى مرتبط بها لتلبي اهتمامات الجمهور.
أداتي المفضلة لمعرفة الكلمات المفتاحية المرتبطة باهتمامات الجمهور، هي أداة keywordtool التي توفر نتائج بحسب منصة النشر على شبكات التواصل الاجتماعي ومحرك جوجل أيضاً. الصورة التالية تظهر الأسئلة الأكثر بحثاً على محرك جوجل باللغة العربية حول فيروس كورونا. فهمنا للكلمات المفتاحية ومدى انتشارها لا يساعدنا فقط في اختيار موضوعات للكتابة عنها، بل يساعدنا أيضاً في جعل عملية كتابتنا للمحتوى متوافقة مع محركات البحث، لأننا عندما نوظف الكلمات المفتاحية بالصيغة التي يبحث عنها الجمهور على محركات البحث نعزز من ظهور محتوانا ضمن نتائج عمليات البحث وهذا يعزز من انتشار ما ننتجه من محتوى.
IJNet