دليل شامل للصحفيين الاستقصائيين الذين يتطلّعون إلى دخول المهنة 

دليل شامل للصحفيين الاستقصائيين الذين يتطلّعون إلى دخول المهنة 

علي الإبراهيم

يُشِير مفهوم الصحافة الاستقصائية إلى مجال متخصّص يضمّ صحافة التَّقَصِّي أو الاستقصاء أو العُمْق، أو التَّحرِّي أو التحقيق، أو صحافة الدِّقَّة، وسُمِّي الصحفيون الذين يعملون في هذا النموذج الصحفي بـ”الـمُنقِّبين عن الفساد”، وهو ما ميّز هذا النوع الصحفي باعتباره من أبرز الأنواع لما حققه من الكشف عن الحقائق ونبش خفايا القصص وأوجه الفساد وتعقب الأموال وتجاوزات ضد حقوق الإنسان ومواجهة السلطة والنافذين بالأدلة والوثائق. 

وإزاء هذا الدور القيادي، أضحت الصحافة الاستقصائية اليوم مهنة لها أعرافها وقواعدها المهنية والأخلاقية، حتى أن بعض وسائل الإعلام خصص لها أقسامًا ومحررين قادرين على الغوص في قضايا معينة والوصول إلى شرائح واسعة من الناس، إلا أن ممارسة هذا النوع الصحفي بحسب خبراء بحاجة لضبط المعايير الأخلاقية. 

في هذا المقال، تقدم شبكة الصحفيين الدوليين دليلاً لأَبرز المعايير الأخلاقية والمبادئ الأساسية للصحفيين الاستقصائيين الذين يتطلّعون إلى دخول المهنة:

لجأ بعض الصحفيين إلى أسلوب “Undercover investigations” أو التحقيقات السرية عبر أسلوب “التخفي”، الذي يمكن أن يلجأ إليه الصحفي عند العمل على التحقيقات الاستقصائية من أجل إثبات حدوث فساد أو انتهاك في منظومة ما يحتاج إثباته إلى التخفي؛ وغالباً ما يكون أكثر جاذبية بالنسبة للقراء والمشاهدين. 

شروط اللجوء للتحقيقات السرية 

ولكن هل يعتبر اللجوء إلى التخفي شرعيًّا عندما يهدف الصحفيون إلى الكشف عن الحقيقة؟ هل يمكن تبرير اللجوء إلى أسلوب معين للوصول للمعلومات في مناطق النزاعات والحروب؟. 

تشير الصحفية الاستقصائية رنا الصبّاغ، وهي من المؤسسين الرئيسيين لشبكة إعلاميون من أجل صحافة عربية استقصائية (أريج)، حيث عملت كأول مديرة تنفيذية للشبكة لأكثر من 14 عامًا، إلى أنّ “التخفي بصفة عامة وسيلة غير أخلاقية وقد تؤدي إلى تعاطف القراء أو المشاهدين مع الشخص موضع التحقيق، لذلك لابد من التفكير الجيد قبل استخدام هذا الأسلوب، لأنّ العمل تحت غطاء يستلزم ضرورات محددة ينبغي مراعاتها”.

وفي حديثها لـ”شبكة الصحفيين الدوليين”، تضيف الصبّاغ وهي الآن كبيرة محرري الشرق الشرق الأوسط في مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، أنّ التخفي أو العمل في تحقيقات سرية ومستترة؛ وهو أمر إذا تم يجب أن يكون في نطاق ضيق، وكثير من الصحفيين يشعرون بالشغف وحب المغامرة ويقبلون على التخفي، لكن قبل اتخاذ هذا القرار لا بدّ من معرفة النقاط الأخلاقية ومن أهمها: 

مثال على ذلك، عملنا في 2012 في شبكة “أريج” مع “بي بي سي عربي” وموقع “عمان نت” على تحقيق استقصائي يوثق اعتداءات جسدية ولفظية على أشخاص ذوي إعاقة داخل دور رعاية خاصة، وتم اللجوء وقتها للتصوير بالتخفي في هذا الفيلم بعد استنفاد جميع الوسائل المتاحة خاصة وأن الذهاب الى المراكز للتأكد من الموضوع والإساءات الجسدية واللفظية عبر الزيارات الميدانية ينطوي على احتمال كبير بأن تقوم إدارة المراكز بإخفاء الحقائق. اضطرت الصحفية حنان خندقجي أن تعمل في أحد المراكز لتوثيق الاعتداءات. 

معايير استخدام المصادر المجهولة  

خلال عمل الصبّاغ مع (OCCRP)، دعمت الصحفيين الاستقصائيين في منطقة الشرق الأوسط ممن تدرب وأنتج تحقيقات مع شبكة أريج وآخرين، وساهمت في صقل مهاراتهم في الأدوات الجديدة للصحافة الاستقصائية في مجال تعقب الأموال وصحافة البيانات ومكنتهم من استخدام OCCRP Aleph وهي قاعدة بيانات تتبع لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وتضمّ عشرات الآلاف من الوثائق الرسمية والبيانات من معظم دول العالم والتي يبحث عنها الصحفيون الاستقصائيون. 

لكن كيف يمكن التعامل مع المصادر المجهولة خلال العمل على تحقيق استقصائي؟. وفقًا لجمعية الصحفيين المحترفين (SPJ)، المصادر المجهولة هي المفتاح الوحيد أحيانًا لكشف قصة كبيرة، وكشف الستار عن الفساد وإكمال المهمات الصحفية لمراقبة الحكومات وإخبار المواطنين. وهناك توجيهات خاصة لاستخدام المصادر المجهولة منها: 

سبّبت “المصادر المجهولة” متاعب كثيرة لوسائل الإعلام كان أبرزها، حادثة الاستقالة الجماعية التي أقدم عليها ثلاثة صحفيين من شبكة “سي أن أن” الأميركية بينهم محرر وحدة الصحافة الاستقصائية، في الشبكة بسبب نشرهم تقريرًا استقصائيًا يحتوي معلومات مغلوطة، استند فيها الصحفيون إلى مصدرٍ واحد ومجهول، ليتبيّن أنّ المعلومات غير صحيحة، وضجّ المجتمع الصحفي العالمي بهذه الحادثة. 

خلال عملي على تحقيق استقصائي مشترك بين مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، والوحدة السورية للصحافة الاستقصائية السورية، سراج، كانت الصبّاغ  تطلب منا كفريق صحفي سواء كان المصدر معروفاً أو مجهولاً، نسخة مسجلة عن المقابلة، هذه النسخة ليست للنشر وإنما لتوثيق وتدقيق الحقائق، وقد ساهم ذلك في تجنب الفريق كثير من المشاكل التي يمكن أن تواجهنا. 

وهناك مجموعة من النصائح التي يمكن للصحفي أن يستخدمها عند عدم الإفصاح على مصدره، إذا كانت نوعية المعلومات التي أطلقها تؤثّر على أمنه الشخصي، أو تحتوي على قدرٍ كبير من الخصوصية الشخصية، مع ضرورة حفاظه على تسجيلات أو دليل للمقابلة من بينها: 

أبرز التحديات  

سمحت التغييرات السياسية في العديد من الدول العربية منذ العام 2011 بعودة الصحافة الاستقصائية، وهذا واضح في العديد من المؤسسات التي ترعى برامج ووحدات تدريبية حول الصحافة الاستقصائية في عدة دول، مثل تونس واليمن والعراق وسوريا وفلسطين. إلا أن الصحفيين الاستقصائيين يواجهون تحديات متعددة، من أهمها بحسب الصباغ: 

نصائح للصحفيين الاستقصائيين الصّاعدين 

إنّ خوض غمار الصحافة الاستقصائيّة يعدّ أمرًا صعباً، خاصة وأنّ على الصحفي أن يمتلك مهارات البحث والتدقيق والتعامل مع الكم الكبير من البيانات وصولاً لقدرته على الوصول للمصادر والوثائق التي تغني التحقيق لإنجازه بطريقة منهجية، وعليه فإن ترك بصمة كصحفيّ استقصائيّ ليس سهلاً. 

وتُقدم رنا الصبّاغ الإرشادات التالية للصّحفيين الاستقصائيين الشباب أو الصّاعدين الذين يتطلّعون إلى دخول مهنة الصحافة الاستقصائية: 

IJNet

Exit mobile version