بقلم – ملاك محسن:
نحن بحاجة للتعرف عما أحدثته التكنولوجيا في العمل الصحفى حيث اقتحمت الصحافة الرقمية عالم الأخبار والمعلومات والصور حتى بات بعض المحللين يتنبأون بزوال الصحافة الورقية قريبا، لذا وجب التعرف على ماذا أضافت الصحافة الرقمية حتى تتفوق على الصحافة الورقية؟
ومن الأهمية الاعتراف أن الصحافة الرقمية أنتجت طوفانا هائلا من المعلومات والروابط حيث أحدثت ثورة التكنولوجيا المتطورة تبدلاً فى الطريقة التى يتلقى فيها الجمهور الأخبار والمعلومات، وكذلك أصبح الصحافيون يستخدمون أدوات جديدة لتطوير مهنتهم، فأسفرت تكنولوجيا الأتصال شكل جديد للصحافة وهي الصحافة الإلكترونية القائمة على الإمكانيات الهائلة لشبكة الأنترنت.
ففى الماضى كان الإعلام الغالب مطبوعا، واليوم مع انكفاء الناس إلى الأنترنت سعيا وراء المعلومات والأخبار، وأصبحت صناعة الخبر الصحفي بكبسة زر، والآن يمكن للموقع الألكتروني الصحفى أن يكون منصة يقول ويشارك فيها المواطنون آراءهم ويطرحون أسئلتهم، كما تتطلب التكنولوجيا الرقمية جهدا أكبر من الصحفي حيث تفرض عليه أن يتعلم عدد من تقنيات التشغيل والعمل فى ذات الوقت منتجًا ومحررًا ومنفذًا حيث كانت هذه المهام في الماضى موزعة على قطاعات مختلفة.
ومرت الصحافة الالكترونية بعدة مراحل يطلق عليها ” فن الموجات الثلاثة” حيث طرح فين كروسبي رؤية خاصة بمراحل تطور الصحافة الالكترونية الشبكية في المؤتمر الثالث لصحافة الإنترنت بجامعة تكساس الأمريكية بمدينة اوستنفي حيث سادت النشر الإلكتروني الشبكي من نوع الفيديو تكست ثم آلت الأمور في النهاية إلى شبكات ضخمة مثل كيمو سيرف وذلك في الموجة الأولي، وارتفع عدد المشتركين في هذه الشبكات وتطورت منابر الحوار الشبكية.
وبدأت الموجه الثانية من عام 1993 الى عام 2001، فمع ظهور شبكة الإنترنت بإمكانياتها المختلفة، ففى هذه المرحلة حدث تطور هائل في برامج الحاسوب التي تسمح بالنشر الشخصي والتجميع الآلي للأخبار بما يسمح للقراء باختيار الأخبار التى يرغبون فيها، ما منحهم قدرا كبيرا فى التحكم في بنية الشبكة، وأصبح الشخص دار نشر لوحده بتطور الطابعات وبرامج معالجة النصوص والصور.
وجاءت مرحلة البث المكثف في الموجه الثالثة والتي تتميز بالقوة في التطبيقات الإعلامية وهي المرحلة التي تزاوج واسع بين الأجهزة الالكترونية ونظم الاتصال المستحدثة، وهي تتسم بوجود برامج وأجهزة متقدمة للنشر وتوزيع المعلومات.
وتنقسم الصحف الإلكترونية إلي نوعين ويتمثل النوع الأول في الصحف الإلكترونية الفاعلة وهي التي تعمل وفق معايير الصحافة الالكترونية وسماتها وخصائصها من حيث التحديث الدوري للمواد والصور والرسوم وتطبيق منهجية العمل التفاعلي لمحتويات الصحيفة الإلكترونية، وتقديم فنون العمل الصحفي، وخدمات صحفية لا تستطيع الصحيفة الورقية تقديمها بسبب طبيعة وإمكانات الصحافة الإلكترونية، ويأتى النوع الاخر للصحف الالكترونية فى النسخ الإلكترونية والتى تحمل اسم الصحيفة الورقية وتقدم معظم او كل المحتوي الورقي، ولا تلتزم بالمعايير الفنية للصحافة الإلكترونية من حيث التحديث المعلوماتي واستثمار خصائص الصحافة الإلكترونية التفاعلية، فنجد الصحافة الإلكترونية فرضت تغييرات جوهرية عن عباءة الصحافة التقليدية في طريقة تحرير المضامين الإعلامية أيا كانت ( مواد إخبارية، مواد رأى، مواد استقصائية)، وأدت إلي ظهور المحرر الالكترونى ذى المهارات التحريرية المبدعة والمتنوعة المناسبة لهذا من الصحافة الجديدة.
كما نجد مع مطلع عصر المعلومات تبدّلت وتحولت مهام الصحافيين من نقل المعلومات فقط ، إلى معالجة المعلومات، حيث أن المحرر الصحفي يسعى إلي تحويل الأحداث والأفكار والاراء إلي مضامين إعلامية وتوظيفها ضمن فنون التحرير الصحفي المختلفة حيث كانت عملية التحرير الصحفي تتم بشكل يدوي في الماضي بإستخدام الورقة والقلم، وأصبحت تتم اليوم علي إحدى شاشات الحاسب الالى، ونجد أن التحرير الالكتروني هو ” استبدال الأدوات الورقية التي يستخدمها المحرر بأدوات تكنولوجية تحقق مستوى أعلي من الدقة أثناء عملية الكتابة، خصوصا أستخدام أحد برامج معالجة النصوص المدعومة بإمكانيات التصحيح اللغوي، بالإضافة إلي توفير درجة أكبر من السرعة عند الرغبة في إجراء تعديلات بالحذف أو بالإضافة أو النقل على الجزئيات التي تتكون منها المادة الصحفية”، وتتمثل فوائد التحرير الإلكتروني فى توفير الوقت، توفير مساحة تخزين، القدرة على رصد وتتبع المواد التحريرية والصور، ومساعدة المحررين الوصول لوضع أفضل لتنسيق العمل وإدارة مشاريع النشر.
كما استفاد التحرير الإلكتروني من التطور التكنولوجي أيضا من حيث تقليل التكلفة، الحصول على نسخة محررة نظيفة خالية من الشطب، تراجع احتمالات الخطأ الإملائى والنحو بما يسهل عمل المراجعيين، السرعة في إنجاز العمل الناتجة عن السرعة في الجمع والسهولة في الأستدعاء والعرض، الأرشفة المناسبة للموضوع الصحفي، والقدرة على رصد وتتبع المواد التحريرية والصور بدءا من لحظة ظهورها على النظام انتهاءا بنشرها أو نقلها للأرشيف أو تحميل على موقع الصحيفة الإلكترونية على الأنترنت.
ويري بعض الباحثين أن هناك تصورين يحكمان الكتابة والتحرير في غرف التحرير الإلكترونية فنجد التصور الأول الكتابة التحريرية والتصميم، والتصور الثاني مفهوم الكتابة الإجرائية، لذا نجد أن تغييرات جوهرية طرات في اليات عمل غرف التحرير في المواقع الإلكترونية وشملت جوانب عديدة منها:
الأخبار أصبحت أكثر مرونة ومتقاربة، أدوات جديدة للعمل، غرفة التحرير أكثر لامركزية ومرونة، والصحفي يخدم جمهورا أكبر لايرتبط بالحدود الجغرافية، لذا وجب تعريف المحرر الالكتروني ومواصفاته حيث تطلق مسميات عديدة على المحررين الالكترونيين مثل الصحفي الإلكتروني أو المحرر المتكامل وحارس البوابة الالكترونية ومحرر الأنترنت، وصحفي الويب، ومحرر النسخة الالكترونية، والصحفى المباشر، وهناك مميزات عدة ينفرد بها المحرر الالكتروني عن نظيره التقليدي العامل فى الصحف الورقية ومنها قدرة محرر الموقع علي العمل من إى مكان والنشر الفوري طالما أنه يمتلك كلمة المرور للدخول إلي الموقع وصلاحية التحرير والنشر، كما أنه لاينتهي دور صحفي الأنترنت بكتابة الموضوع أو القصة الخبرية، لأنه مطالب بتغذيتها بأكبر قدر من المعلومات والخلفيات بإستخدام خاصية النص الفائق، فضلا عن اختياره للصور وإمكانية قيامه بنشر الموضوع بنفسه ومتابعة التعليقات، وعمل التعديلات إذا تطلب الأمر، ونجد عدد المحررين في الصحافة الالكترونية أقل من عددهم في الصحيفة المطبوعة، والسرعة فى أداء العمل وتعدد المهام التي يقوم بها، والقدرة علي تنقيح المعلومات وتحليلها واختبارها وتحديد غير الموثوق به منها، لذا يتطلب من المحرر الالكتورني أن يتمتع بالمواصفات الاتية :
التمكن من استخدام الحاسب الالي وبرامجه، وعلى وجه الخصوص برنامج الكتابة وبرنامج الصور وإدخالها إلكترونيا الى الصحيفة، التعامل مع شبكة الإنترنت، أن يكون لديه بريد إلكتروني لإستقبال الرسائل، تتوفر لديه الخبره بطرق حماية أمن الحاسب الآلي، بالإضافة إلى متابعة ما يتم نشره وردود الفعل على ما يقتضي الرد.
وتمر عملية التحرير الالكتروني بمراحل عديدة منها: التخطيط، وجمع المعلومات، تنظيم المعلومات، وكتابة المادة، ويجب تلافي العيوب والأخطاء في أثناء عملية التحرير الالكتروني، وتتبلور العوامل المؤثرة فى التحرير الالكتروني في اختيارات المحررين الالكترونيين للأحداث والموضوعات ونشرها في المواقع الالكترونية، إذ يتأثر حراس البوابةالالكترونيين الذي يعدون قوة مباشرة فى عملية اتخاذ القرار النهائي للنشر بدورهم بمجموعة من العوامل في أثناء أداء عملهم، ويواجه حراس البوابة معوقات في أثناء عملية التحرير والنشر مصنفة وفق ثلاث فئات، منها عامل تأثير التطورات التكنولوجية علي طبيعة الأداء المهني للمحررين الالكترونيين والمرتبطة بجداول العمل النهائية المستمرة، بالإضافة إلي عامل المنافسة الإعلامية مع الوسائل التقليدية .
ولهذا يتوجب أن نعرف هل العلاقة بين الصحافة الرقمية ووسائل الإعلام التقليدية، هي علاقة تنافس، أم علاقة تكامل؟
فلقد ظفرت الصحافة الورقية على مدى عقود كبيرة بتتويجها على عرش الإعلام المقروء، وذلك قبل أن تتغير أدوات صناعة الإعلام، ويتم توظيف التقنيات الحديثة في تقديم ما يُسمى بالإعلام الجديد، أو الإعلام الفوري، أو إعلام المواطن ( صحافة المواطن ) فنجد أن الصحافة التقليدية كانت الأخبار تتميز بالحداثة التي تحولت إلى الفورية والانية في الصحافة الرقمية، وكذلك كانت الرسالة من الوسيلة إلي المتلقي فقط في الصحافة التقليدية التي تحولت في الصحافة الرقمية من الوسيلة إلى المتلقي والعكس وأتاحت التكنولوجيا عنصر التفاعلية واستفادة الصحفة من أراء القراء.
لذا نجد أن الصحافة المطبوعة توفر النصوص المكتوبة والإذاعة تقدم الصوت والتلفزيون يتيح الصوت والصورة، فإن الصحافة الالكترونية تقدم المزايا مع بعضها البعض لنشر مواد إعلامية متكاملة ومترابطة، ويعود ذلك إلى أن أدوات ممارسة الصحافة الاكترونية تعتمد بالأساس على التعامل مع المحتوي المخزن رقميا الذي يتيح فيه جمع وتخزين وبث جميع أشكال المعلومات ومن ثم يجعل من السهل أن تضع ملفا رقميا على حاسب أو على موقع بالإنترنت بداخله نص أو صوت أو صورة.
المصدر: الجمهورية أونلاين