محمد محروس
يجدر بالصحفيين العمل على تدقيق المعلومات كجزء محوري مرتبط بطبيعة عملهم المليء بالمعلومات غير الدقيقة التي تحتاج إلى مزيد من التأكد قبل وصولها إلى جمهورهم، وهذه العملية تعدّ من أبرز المبادئ الأخلاقية التي يتعيّن على الصحفي الالتزام بها، وإحدى الأسس الواجب انتهاجها في كل الأعمال الصحفية، خلال عملية ما قبل النشر.
ومن الملاحظ اليوم، أنّ كمًا كبيرًا من الأخبار يُضخ عبر الوسائط المتنوعة في ظلّ سباق محموم للوصول إلى الجمهور، ويتمّ النشر أحيانًا من دون مراعاة ضمان سلامة المعلومة المقدمة، أو حتى استخدام طرق مثالية بما يحترم تفكير المتلقي ويراعي اهتماماته.
وفقًا لمنصة (Logically) لمعالجة المحتوى الضار والمشكلات على الإنترنت فإنه من الناحية المنطقية، يجب على مدققي الحقائق العثور على مصدرين على الأقل لتقديم دليل على عمليات التحقق من الحقائق، هذا الدليل يمكن أن يكون، على سبيل المثال لا الحصر، اقتباسًا مباشرًا من الخبراء والمجلات الأكاديمية والبحوث والتقارير ذات العلاقة بموضوع التحقق.
في العادة هناك أنواع من الأدلة تكفي لتبرير الادعاءات التي نتحقق منها، فعلى سبيل المثال:
· الادعاءات التجريبية: نبررها بالبحث العلمي والتأصيل المرتبط بها من دراسات وأبحاث محكّمة.
· التنبؤات الاقتصادية: يمكن الاستعانة بالخبراء والمؤشرات المعلنة من قبل الجهات الموثوقة أو المؤسسات المختصة المتابعة للحركة المالية، والضابطة للسياسة السوقية، والتداولات القائمة على العرض والطلب.
· الادعاءات السياسية: نخضعها للمبادئ المتفق عليها بشكل عام المرتبطة بالتشريعات الدستورية المنظّمة.
أرقام ومؤشرات
مع تفشي جائحة كوفيد19 وحالة الإغلاق التي اعتمتدتها دول كثيرة، لجأ الناس بشكل أكبر إلى وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من حياتهم اليومية وانتشرت المعلومات المضللة واتسع نطاقها.
وفقًا لبيانات صادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي وكالة الأمم المتحدة المتخصصة بتكنولوجيا الاتصالات فإنّ عدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم زاد بأكثر من 10% في السنة الأولى للجائحة، وهي أكبر زيادة سنوية حتى الآن منذ عقد.
هذا الارتفاع غير المعتاد في عدد المستخدمين للإنترنت بسبب تدابير عمليات الإغلاق على نطاق واسع، إضافة إلى حاجة الناس للوصول إلى الأخبار والخدمات والمستجدات المتعلقة بالصحة، والأعمال المصرفية عبر الإنترنت، ساهم في “زيادة الاتصال” ورفع عدد المستخدمين منذ العام 2019 بنسبة 17% (782 مليون مستخدم إضافي منذ 2019).
في هذا السياق، يشير موقع websiterating إلى أنّ عدد مستخدمي الإنترنت تجاوز (5.5) مليار شخص اعتبارًا من 6 كانون الثاني/يناير 2023، إذ يقضي المستخدم العادي سبع ساعات على الإنترنت يوميًا، بينما بلغ عدد المواقع الإلكترونية (1.97) مليار موقع منذ 1 كانون الثاني/يناير 2023، كما يُظهر أحدث بحث أن (7.5) مليون مشاركة مدونة يتم نشرها يوميًا.
وتدفع زيادة المحتوى هذه المؤشرات للارتفاع خصوصًا مع امتلاك (%92) من مستخدمي الانترنت للهاتف المحمول، والذين يقضون (90%) من تصفحهم للتنقّل بين التطبيقات.
إحصائيات يؤكدها موقع internetworldstats بخلاصة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي الدقيقة الواحدة يتمّ تبادل أكثر من 42 مليون رسالة على تطبيق واتسآب، ونشر 500 ساعة من مقاطع الفيديو على يوتيوب، و500 ألف تعليق تحت منشورات فيسبوك.
عام 2016 توصلت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث إلى أنّ 64% من البالغين الأميركيين يعتقدون أن القصص الإخبارية المزيفة تسبب قدرًا كبيرًا من الارتباك، وقال 23% إنهم شاركوا بأنفسهم قصصًا سياسية ملفقة – أحيانًا عن طريق الخطأ.
ما يعني أننا أمام بيئة معلوماتية متقلبة ومفتوحة على كافة الاحتمالات. في هذا السياق، قال كيفن كيلي، الشريك المؤسس لمجلة “Wired “: “التحدي الرئيسي الجديد في تغطية الأخبار هو الشكل الجديد للحقيقة، التي لم تعد تمليها السلطات، بل أصبحت متشابكة من قبل الأقران، لكل حقيقة هناك عائق وكل هذه الحقائق المضادة تبدو متطابقة على الإنترنت، وهو أمر محير لمعظم الناس”.
متى أدقق؟
الفضاء الرقمي المزدحم بالمعلومات يجعل التدقيق أولوية حتمية، ويدفع نحو مزيد من التصدي للمعلومات الكاذبة والمضللة والبحث عن النوايا الكامنة التي تقف وراء نشرها، ولكن ذلك يستلزم العمل وفق منهجية واضحة ومحددة بمعايير وضوابط منطقية بعيدًا عن الدوافع الشخصية أو أي اختلال قد يؤثر في العملية برمتها، إضافة إلى الربط والتحليل المعمّق للأحداث التي تشكل بؤرة النشر، وتصل حد وجود غرف عمليات مهمتها اختلاق الأخبار، وبثها على نطاق واسع، والدفع نحو تقديمها كمسلّمة لا تقبل الشك والتأويل.
تتفق مؤسسات التدقيق حول نقطة جوهرية كمنطلق لكل أعمالها، فالمصلحة العامة هي أساس العملية، وتخضع المعلومات محل التدقيق لتقييم أولي من أجل معرفة مدى الضرر الناجم عنها، ومستوى الانتشار في وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، وتأتي التصريحات السياسية والأخبار الحكومية على رأس تلك المعلومات، كونها أكثر صلة بتطلعات الناس، وهو ما تؤكده الشبكة الدولية لتقصي الحقائق (IFCN)، وشبكة معايير التحقق من الحقائق الأوروبية (EFCSN)، والشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN).
إنّ السيطرة على المعلومة بعد نشرها تعد عملية مستحيلة، خصوصًا مع تعامل غالبية الجمهور معها كمسلّمة بفعل التطورات التقنية والتكنولوجية المتلاحقة، والاكتفاء بما هو في المتناول من دون تكليف النفس مجرد البحث الأولي، كخطوة قد تعطيك إشارة لسلامة المعلومة التي بين يديك، أو عكس ذلك، هذا للمتلقي العام، أما الصحفي فهناك قاعدة ملازمة لعمله منطلقها أنّ “الشك عقيدته”، وهي ملزمة له حتى يُخضع كل معلومة للتحري والبحث والتدقيق، وصولًا إلى النتيجة التي يقرر من خلالها النشر أو التوقف، وفقًا لمبدأ السلامة العامة.
في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، يرى الباحث والمحاضر بقسم الصحافة والإعلام في جامعة حضرموت عبدالله باخريصة أنّ منطلق التحقق من أي معلومة مرهون بالالتزام المهني للصحفي والوسيلة التي يعمل لصالحها، فالموضوعية والشفافية والاستقلالية هي مبادئ لا تتجزأ في صحافة التحري وتدقيق المعلومات، يؤخذ بها عند تتبع المعلومة، وعند البحث عن صحتها، وعند الوصول إلى النتيجة، ثم النشر.
أدوات مهمة
يستلزم الانتشار المتسارع للمعلومات الكاذبة، وما يترتب عليها من ردود فعل سلبية أن يتسلح الصحفيون بالعديد من الأدوات والبرامج التي تمكنهم من الوصول إلى الحقيقة، وهي مهمة من باب مواجهة الأخبار المضللة، نسلط الضوء على الأهم منها والأولى بأن تكون في حوزة كل صحفي:
· برامج للتأكد من صحة الصورة
هناك العديد من البرامج التي يتم استخدامها للتأكد من صحة الصور، من حيث تاريخ نشرها، والناشر الأول لها، إضافة إلى إظهار العلامات في حال تعرضت للتلاعب عبر برامج التعديل البصري. يوفر محرك البحث جوجل أداة للبحث عن الصور تتمثل في Google image، إذ تمكنك من البحث العكسي للعثور على الصورة التي تبحث عنها وما وراءها، إضافة لموقع Tineye الذي يتيح لك البحث عن الصورة والوصول إلى نتائج من حيث الأحدث والأقدم على مستوى النشر، ومحركا البحث Yandex وBaidu، كذلك برنامج Bing من مايكروسوفت، وImage Raider الذي يتيح لك رفع ما يصل إلى 20 صورة في نفس اللحظة ويوفر عليك الكثير من الجهد والوقت، بينما تمكنك أداة fotoforensics من اكتشاف التلاعب في الصور وما لحق بها من تغييرات بفعل برامج التحسين.
· برامج للتأكد من صحة الفيديو
هناك برامج وأدوات تساعدك من خلال البحث العكسي عن الفيديو في تحديد أصول صورة أو مقطع فيديو بالبحث في قاعدة بيانات الإنترنت وصولًا إلى النتائج، فأداة Invid يمكنك إضافتها إلى متصفح جوجل وتتيح لك ميزات مهمة للوصول إلى معلومات عن مقطع الفيديو الذي تبحث عن صحته، كذلك أداة YouTube Data Viewer من منظمة العفو الدولية، كما يمكن الاستعانة بـGoogle Map وGoogle Earth للوصول إلى نتائج عند البحث عن محتوى فيديو من خلال المطابقة المكانية.
إرشادات
حتى يضمن أي صحفي سلامة صحة ما يقوم به عند التعامل مع أي معلومة، يجب أن يضع في الحسبان عددًا من النقاط:
· تتبع مصدر المعلومة للوصول إلى أصول الادعاء المتداول.
· تحليل سياق الادعاء وما يتضمنه.
· إيجاد أكبر عدد ممكن من المصادر الأولية لدعمه أو دحضه.
· عند العثور على أدلة كافية، اتخاذ قرار بشأن مدى موثوقية الادعاء.
· كتابة تقرير حول النتائج التي توصلت إليها، والمسار الذي اتبعته للعثور على الأدلة.
· افحص وراجع ما توصلت إليه مرة أخرى، ثم أرسله لمختص أعلى “إن وجد”.
· انشر نتائج تحققك، وتابع ردود الفعل، وتتبع الأثر.
شبكة الصحفيين الدوليين