نعمان عمر
اهتم العالم مؤخرًا بما حدث في الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا فجر السادس من شهر فبراير/شباط من العام الحالي، والذي راح ضحيته عشرات الآلاف، وتشرّد مئات الآلاف، وسط دمار واسع وبالغ في كثير من المناطق المنكوبة. وتزامن ذلك مع تغطيات إعلامية واسعة استمرت لأيام، مع التركيز على القضايا الإنسانية والإغاثية.
كما حضر المئات من الإعلاميين والصحفيين والمصورين إلى الأماكن المتضررة من الزلزال، وتناوبوا على التغطية منذ اللحظة الأولى حتى الانتهاء من عمليات الإنقاذ.
إنّ حدوث كارثة طبيعية من هذا القبيل وبهذا النطاق الواسع، تتطلب وعياً إعلامياً كبيراً عند العمل على تغطيتها. وفي هذا الصدد، يقول مراسل قناة “الجزيرة” صهيب الخلف الذي غطى أحداث الزلزال من سوريا في مقال بعنوان “يوميات صحفي من قلب الكارثة”: “الإحساس بالمسؤولية كصحفي تجاه الجمهور أمرٌ جيد ومفيد خلال يوميات العمل العادية، لكن ذلك قد ينقلب إلى عبء كبير خلال التعرض للكوارث الطبيعية”.
وعليه نستعرض أهم النصائح والتوجيهات الخاصة بعمل المصورين الصحفيين المشاركين في تغطية مثل هذه الكوارث، كونهم الأكثر احتكاكاً وحضوراً في الميدان لالتقاط الصور الاحترافية ونقلها للعالم في أسرع وقت ممكن:
أولاً، الترتيبات اللوجستية
وهي العمليات والإجراءات التي تضمن توفير احتياجات ومتطلبات المصور الصحفي من أجل إتمام عمله على أكمل وجه، بدون أي مشاكل أو عقبات، ويمكن حصر أهم هذه المسائل حسبما يرى المصور الصحفي عبد الرحمن الكحلوت، الذي غطى كارثة الزلزال في تركيا، بالنقاط الرئيسية التالية:
– التخطيط الجيد للرحلة قبل الانطلاق من حيث حجز تذاكر الطيران وتوفير الدليل “المُرشِد” الذي سيكون مع المصور، وكذلك مكان الإقامة وطريقة توفير وسائل الاتصال والمواصلات والمؤن التي يحتاجها المصور لاحقاً.
– إذا كان مكان الكارثة الطبيعية بعيداً عن محل إقامة المصور، فيجب عليه أن يتوجه إلى المطار مباشرة والبحث هناك عن أي طائرة يمكن أن تقله إلى أقرب مكان من موقع حدوث الكارثة، لأن الحصول على تذاكر طيران في مثل هذه الظروف مسألة صعبة وشبه مستحيلة، فالأحوط أن يذهب المصور للمطار ويبحث عن أي طائرة متوفرة إلى وجهته.
أما في حالة المسافات القصيرة فإنه يجب التأكد من أن وسائل المواصلات عبر الطرق البرية الواصلة إلى منطقة الزلزال متاحة وغير متضررة أو خطرة.
كما يمكن للمصور الصحفي في هذه الحالات أن يبحث عن الطائرات الإنسانية التي قد تنطلق إلى الأماكن المنكوبة لتقديم المساعدات الإغاثية، ومحاولة السفر على متنها.
-عندما ينتقل المصور الصحفي، يجب عليه ألا يَحمل الكثير من الأمتعة الشخصية مثل الملابس والأدوات الشخصية، والتركيز على توفير ملابس حرارية وقت الشتاء خصوصاً في المناطق الباردة، لأن وسائل التدفئة ستكون غير متوفرة.
– يجب على المصور الصحفي أن يتفق مسبقاً مع شخص، يستعين به كدليل ومرشد أثناء فترة عمله، ويفضل أن يكون من سكان المنطقة التي حدثت بها الكارثة وأن يكون على دراية باللغات التي يتحدث بها المصور الصحفي.
– التعرف على الأماكن التي تعمل بها شبكات الاتصال في المنطقة، وذلك لإجراء المكالمات والاتصالات الضرورية والحصول على خدمة الانترنت.
– يمكن توفير خدمة الإنترنت إن لم تتوفر شبكات الاتصالات من خلال خدمة “الثريا” وهي خدمة إنترنت تُقدم عبر الأقمار الصناعية، ويمكن أن تعمل في أي مكان.
– توفير الأوراق الرسمية والثبوتية الخاصة بالمصور، ومنها البطاقة الشخصية أو جواز السفر للمصور الأجنبي، وبطاقة العمل الصحفي سارية المفعول، واضح عليها اسم المؤسسة التي يتبعها المصور، وكذلك أي أذونات مطلوبة من الجهات المعنية، حيث يشترط في بعض الأحيان الحصول على تصاريح خاصة بتغطية مكان الكارثة والحدث نفسه.
– العمل على تأمين وسيلة مواصلات حديثة (مركبة)، تتوفر فيها أجهزة التدفئة، والطاقة الكافية، لأنها ستستخدم بالتأكيد في التنقل إلى الأماكن المطلوبة، وكذلك المبيت، وتشغيل الأجهزة المتوفرة وإعادة شحنها، في ظلّ انعدام مصادر الطاقة خصوصاً مع اللحظات والساعات الأولى من حدوث الكارثة.
– يجب التخفيف من تناول الطعام قدر الإمكان، وتوفير كمية كافية من الأطعمة المحفوظة (المعلبة) والاعتماد عليها بشكل أساسي، لأنها أقل عرضة الى التلوث والتسمم، إضافة إلى كمية كافية من المياه والعصائر، تفادياً للعطش والجفاف.
– ضرورة أن يحمل المصور الصحفي مبلغًا نقديًا كافيًا من عملة البلد المراد التغطية فيها، لأنه غالباً ما تتوقف خدمات الدفع الالكتروني المتمثلة في البطاقات والحسابات المالية الالكترونية.
ثانيًا، وسائل الحماية والأمان
بهدف التعرّف على إجراءات السلامة التي يجب أن يتخذها المصورون الصحفيون أثناء تغطية كارثة الزلازل حاورنا المختص في السلامة الصحفية سامي أبو سالم، ليؤكد على بعض المسائل والنصائح المهمة وهي:
– يُفضّل ألا يذهب المصورون المبتدئون لتغطية مثل هذه الأحداث، خصوصًا في الأيام الأولى من حصول الكارثة، ويفضل من لديه الخبرة في تغطية الأحداث الخطرة، لأن التطورات الحاصلة غير متوقعة.
– في حالة الزلازل، يجب على المصور الصحفي تجنّب الإقامة والسكن في الفنادق والبيوت، أو أي مبانٍ أخرى، لأنه غالباً ما تتعرض المنطقة المنكوبة لعشرات الهزات الارتدادية.
– في حال حدوث هزات ارتدادية، على المصور الاحتماء والجلوس وسط الشارع، وعدم الوقوف بجانب الطرق أو بالقرب من المباني.
– السرعة في إتمام مهام التصوير، وعدم الانتظار لوقت طويل في التقاط الصور من موقع الحدث.
– يجب على المصور أن يرتدي “كسّارات حماية” الركبة، وكذلك الخوذة التي غالباً ما يستخدمها رجال الدفاع المدني ووحدات الإنقاذ، إضافة إلى ضرورة ارتداء الحذاء الطويل المقوّى، والقفازات المصنوعة من القماش متعدد الطبقات، كما يجب لبس كمامات مناسبة لمنع استنشاق الهواء الملوث.
– مرافقة فِرق الإسعاف والدفاع المدني، وعدم الابتعاد عن المناطق المأهولة بالناس، تجنباً لأي اعتداء أو سرقة، وربما القتل.
– التحرك والانتقال ضمن فريق برفقة دليل من المنطقة المنكوبة، لأنه أعلم بتفاصيل المنطقة، ويستطيع التفاهم مع المحيطين.
– الانتباه إلى أنّ الأمراض والأوبئة تكثر خلال الكوارث الطبيعية وخاصة الزلازل، بسبب انهيار شبكات الصرف الصحي، وانتشار المكاره البيئية، وعليه، يجب التعقيم جيداً بشكل مستمر.
– يجب على المصور الصحفي ألا يتردد في اتخاذ القرار بإلغاء مهمة التغطية، إذا ما تأكد من وجود خطر محدق في منطقة الحدث.
– على المصور عدم التدخل في عمليات الإنقاذ، طالما وُجدت الفرق المكلفة والمختصة بهذه الأعمال، “يمكن التدخل إذا كان هناك أمر طارئ جدًا قد ينقذ فيه حياة إنسان”.
– الالتزام بالتعليمات التي تصدر عن الأجهزة الأمنية والسلطات الحاكمة، وأي توجيهات من الدفاع المدني والإسعاف والفرق والوحدات الرسمية العاملة في المنطقة المنكوبة.
– توفير الاحتياجات الطبية الضرورية في شنطة الإسعاف الأولى، والانتباه من انتشار الحشرات والقوارض، والتعرف على أماكن وآليات الاتصال بالجهات الطبية، كالمستشفى الميداني مثلاً.
– يشعر الناجون من الكارثة بالقلق والتوتر والحزن الشديد، وبتغيّراتٍ حادة في المزاج والانفعال السريع، والتحسس من البيئة المحيطة، لذلك يجب على المصور تجنب إثارة حفيظة الناس المنكوبين.
– يجب أن يتمتع المصور الصحفي باللياقة البدنية، لأنه سيضطر إلى المشي لمسافات بعيدة وفي طرق وأماكن وعرة بسبب حجم الدمار وإغلاق معظم الطرق.
ثالثاً، المعدات الضرورية
يتساءل الكثير من المصورين الصحفيين حول ما يجب حمله من المعدات الضرورية للقيام بمهمة التصوير عند حدوث كارثة الزلازل، وفيما يلي عرض لأهمها:
– الكاميرات: يجب أن يحمل المصور الصحفي معه كاميرتين على الأقل، ويفضل أن تكون هذه الكاميرات صغيرة الحجم وتنتج صوراً بجودة عالية.
– العدسات: نظراً لتعدد المشاهد واختلافها في موقع الكارثة يلزم وجود نوعين من العدسات، الأول وهو عدسات التقريب ذات البعد البؤري البعيد، والثاني عدسات الوايد التي تستخدم لتصوير المشاهد الواسعة.
-مايك لتسجيل المقابلات الضرورية، ويفضل توفير مايك لاسلكي وآخر سلكي، واستخدام الأنسب حسب الحاجة والظروف المتاحة.
– بطاريات، وبطاريات إضافية: يجب أن يكون لدى المصور بطاريات مشحونة تكفيه لأطول مدة ممكنة، لأنّ مصادر الطاقة قد تكون غير متاحة.
– جهاز “باور بانك”، لتخزين الطاقة، وهنا يجب التأكيد على عدم الإفراط في استخدام الأجهزة إلا عند الضرورة، وذلك للمحافظة على الطاقة الموجودة.
– شاحن لتشغيل أجهزة الحاسوب المحمولة، يعمل من خلال بطارية السيارة، وآخر يعمل بنفس الطريقة لشحن أجهزة الاتصال.
– جهاز الإضاءة “الفلاش”: وهو ضوء صناعي الغرض منه تحسين ظروف الإضاءة في الصورة أثناء التصوير ليلاً، أو انعدام الإضاءة الطبيعية.
– بطاقات التخزين: يجب أن يحمل المصور الصحفي بطاقات تخزين إضافية، تحسباً لأي طارئ قد يحصل في عملية نسخ أو إرسال المواد المصورة.
رابعًا، المهنية وتصوير مشاهد الكارثة
ويقصد بها أهم المشاهد التي يمكن تصويرها والتركيز عليها، ونستعرض هنا أهم النصائح التي يقدمها المصور الصحفي الحاصل على جائزة World Press Photo محمد عبد الرازق البابا، حيث ينصح في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين بـ:
– التركيز في اللحظات الأولى من الكارثة على التقاط الصور الإخبارية العامة والتي تعكس حجم الدمار الحاصل، ومحاولات الناس التي أصيبت بالهلع والخوف، النجاة والاحتماء، أو الهروب من الأماكن الخطرة التي أصابها الزلزال.
– يمكن الاكتفاء في بداية التغطية بعدد من الصور التي تعبر عن حجم الكارثة وتأثيرها على الناس، ومحاولة إرسالها إلى جهات النشر المعنية في أسرع وقت ممكن، لأنّ جميع وسائل الإعلام في هذه اللحظات تنتظر أي صور تصل من منطقة الكارثة.
– على عكس التصوير الجنائي، فإنه على المصور الصحفي تجنب تصوير المشاهد التي تظهر الجثث بشكل واضح، والتركيز على المشاهد الواسعة لحظة انتشال أي جثامين.
– التركيز على مشاهد فرق الإنقاذ والإسعاف والأشخاص الذين يشاركون في عمليات إغاثة المتضررين من كارثة الزلازل.
– التركيز على مشاهد وصور الناجين ولحظات إجلائهم وتقديم المساعدة لهم، لأن هذه اللقطات تسعد المتابعين وتبعث روح الأمل لدى الأهالي وفرق الإنقاذ بوجود ناجين آخرين.
– عدم المبالغة في معالجة الصور الصحفية، كأن يزيد المصور بعض العناصر، أو يستخدم بعض التأثيرات التي قد تزيد من التركيز على عناصر معينة.
– يمكن استخدام طائرة “الدرون” المُسيّرة (في حال توفرها) لالتقاط صور جوية تظهر من أعلى، حجم الدمار ومدى اتساعه في المنطقة المنكوبة.
– يجب الاهتمام بتغطية القصص المصورة التي تعالج القضايا والمواضيع التي نتجت عن الزلزال، كأن يتم التركيز على حياة الناس الذين اضطروا للمبيت في الشوارع، أو داخل الخيام التي أقيمت في المكان، وإظهار جوانب المعاناة التي طرأت عليهم جراء هذه الكارثة.
خامساً، أخلاقيات التصوير أثناء الكارثة
يجب توظيف المعايير الأخلاقية والمهنية بشكل كبير في حالات الكوارث والطوارئ، وهنا نشير إلى جملة من التوجيهات التي يقترحها مدرس أخلاقيات الإعلام، المحاضر والإعلامي أحمد دلول في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، وعلى المصور أن يتبعها أثناء عمله في مناطق الكوارث والطوارئ، ومنها:
– مراعاة خصوصية الناس وتقدير حالتهم النفسية وعدم التطفل عليهم في التقاط الصور، والامتناع عن التصوير في حال اعتراضهم.
– احترام الملكيات الخاصة وعدم تبرير اقتحامها بدون إذن لعدم وجود السكان وذلك لمجرد الحصول على قصة، وهذا قد يعرض الصحفي للمساءلة القانونية أو المهنية.
– عدم استنطاق الناس المتأثرين، وإجبارهم على التصوير، أو تقديم الوعود لهم وإغرائهم بالمال أو المساعدات استغلالاً لحاجتهم، مقابل سماحهم له بتصويرهم.
– يجب ألا يلجأ المصور إلى اختلاق قصة أو الخوض في تصوير قصة ما بشكل مسرحي قد يتضرر منه أولاً، وقد يوصل للمشاهد أو الناظر صورة سلبية عن المتأثرين.
كما أنّ منصات التوثيق والتدقيق التي تنشط في مثل هذه المواقف إضافةً إلى وعي المشاهد ستسارع إلى كشف هذا التزييف ولو بعد حين.
– لا يجب أن يدفع المصور للأشخاص الذين يريد التصوير معهم، أو أن يتجاوب مع الأشخاص من طالبي الأموال، والذين قد لا يكونون أصلاً من سكان المنطقة.
– يجب عند التقاط الصور، عدم العبث بها وتحريرها بشكل يغيّر طبيعتها ويشوّه حقيقتها، خاصة عند نقل المشاهد بكوادر أو زوايا مختلفة بشكل مسبق. – على المصور استشارة رؤسائه تحريرياً وقانونياً، لتلافي أي مخالفات قد تعرض مهامه للمساءلة المهنية أو القانونية، ومراعاة ظروف عمل طواقم الإسعاف والإنقاذ ونقل الجرحى والمتضررين، وعدم استباق النشر لصور وأسماء الضحايا بدون إعلان رسمي، وحتى قبل إخبار العائلات بمصابهم.
شبكة الصحفيين الدوليين