حافظ المرازي
سبعون عاما على إذاعة صوت العرب من القاهرة
دخلتها أشبه بمن قالوا له: انتهى الدرس يا غبي
فقد قاطعنا العرب ورحلت جامعتهم عن القاهرة
في الرابع من يوليو 1953 أسس ضابط المخابرات المصرية فتحي الديب إذاعة موجهة من القاهرة لدعم الثوار في الجزائر ضد الاستعمار وفي الخليج ضد “الملكية والرجعية” ولترويج النظام الجمهوري الذي بدأه الضباط “الأحرار” في مصر خلال نفس العام.
نجاح صوت العرب الذي بدأ بنصف ساعة يوميا، ربما حاولت أجهزة مخابرات بعد عقود أن تقلده بتأسيس إعلامها والاستحواذ على القنوات الخاصة لتقليد “التأميم” دون أن تدرك اختلاف الزمن أو تستوعب دروس الماضي، فكيف تروج لجمهورية جديدة قائمة على مساعدات وإعانات “الرجعية” الملكية؟!
دخلت صوت العرب بعد 13 سنة من انكسار صوته (أحمد سعيد) بهزيمة 1967. لم يكن اختياري بل كما رأى الأستاذ (صبري سلامة) الذي دربني مع دفعة زملائي الناجحين بمسابقة الإذاعة المصرية ولم يكن يحب بهدوئه صوت العرب فوجد أنني مناسب بحنجرتي لصوت “الحنجوريين”!.
لكن المأساة أنني دخلت بعد عام من التطبيع مع إسرائيل ومقاطعة كل الدول العربية لمصر ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. ثم غزت إسرائيل عاصمة عربية لأول مرة منذ إنشاء الإذاعة، حيث كان اجتياح لبنان بعد سنتين من دخولي صوت العرب. وبينما كان الشارع المصري مشتعلا ومكبوتا وأنا أمر به في الطريق إلى مبنى الإذاعة، فأدخل استوديو مكتوبا على لائحة تعليماته: “عدم قراءة أي أخبار أو أقوال صحف تتعلق بإسرائيل إلا إذا كانت صادرة من الأخبار المركزية” أي مرت على الرقيب!
أصابني جسمانيا احتباس في الصوت لم يجد له كبير المتخصصين (د. هاشم فؤاد) سببا عضويا يحتاج علاجا سوى ربما الراحة النفسية. فانصرفت إلى استكمال دراساتي العليا ولأسافر في العام التالي إلى أمريكا في منحة دراسية، وحين عدت بعد عام لم أتحمل استكمال عام آخر، فعدت بشكل دائم إلى واشنطن مذيعا بصوت أمريكا، ربما عملا بمقولة أبي نواس:
“وداوني بالتي كانت هي الداء”!
ولهذا قصة أخرى..