فيلم وثائقي يُعيد الاعتبار لـ”الصحافة تحت القصف” ويُبكي الحضور في بايو
📍 إعداد: أبوبكر إبراهيم أوغلو – إسطنبول
🗓 التاريخ: 9 أكتوبر 2025
🔸 افتتاح يليق بالأبطال
في قاعة “بالمونت” بمدينة بايو شمال غربي فرنسا، وقف أكثر من ألف شخص مساء الخميس مصفّقين طويلاً قبل عرض الفيلم الوثائقي “من داخل غزة” (Inside Gaza)، الذي يوثّق تفاصيل الحياة اليومية لصحافيي وكالة فرانس برس (AFP) خلال الحرب المدمّرة على غزة عامي 2023–2024.
كان التصفيق طويلاً وعاطفياً، كما لو أنّ الجمهور يعتذر للصحافيين الذين ظلوا في الميدان بينما العالم يكتفي بالمشاهدة.

(المصدر: AFP / Lou Benoist)
🔸 بين الحرب والرسالة
الفيلم، الذي أخرجته الصحافية الفرنسية المستقلة هيلين لام ترونغ، يعرض بصرياً لحظات الرعب اليومية داخل القطاع، من القصف والدمار إلى صراع البقاء في الملاجئ المؤقتة، بينما يحمل الصحافيون الكاميرا كأداة مقاومة للحرب على الحقيقة.
“كنا نصور الموت ونحاول أن نظل أحياء لنُكمل الرسالة.” – المصور الفلسطيني محمد عبد
الفيلم من إنتاجٍ مشترك بين قناة ARTE الفرنسية وهيئة RTBF البلجيكية بالتعاون مع Fact Story التابعة لـAFP، واختيرت مشاهده بعناية لتوازن بين الألم والتوثيق دون السقوط في الاستعراض المأساوي.
تقول المخرجة لام ترونغ قبل العرض:
“ما أظهرناه أقلّ بكثير من الواقع… كل لقطة التقطوها كانت مغامرة حياة أو موت.”

🔸 تصفيقٌ وعلم فلسطين
في لحظة رمزية مؤثرة، رُفع العلم الفلسطيني على خشبة المسرح قبل عرض الفيلم، ثم وقف الجمهور مجدداً بعد انتهائه، وصفّق الحاضرون لأكثر من خمس دقائق للفريق الصحفي الغزّي:
بلال الصباغ، مهند شهوان، مي ياغي، عادل زعنون، سعيد خطيب، محمد عبد، ومحمود حمص، إلى جانب زملائهم الذين لم يتمكّنوا من الحضور.
وألقى مدير منظمة “مراسلون بلا حدود”، تيبو بروتان، كلمة مقتضبة قال فيها:
“هؤلاء ليسوا فقط شهوداً على الحرب، بل شهوداً على الإنسانية في أقسى لحظاتها.”

🔸 شهادات تُلامس الضمير
تروي مارتين سيغيلا، أستاذة التاريخ التي حضرت العرض مع طلابها، أنها خرجت من القاعة “مصدومة”:
“لم أكن أدرك أن الصحافيين يعيشون هذه المعاناة اليومية. طلابي يعتادون صور الدمار على الإنترنت، لكن الفيلم أعاد إليهم الحس الإنساني الذي كدنا نفقده.”
وقالت الحاضرة أليس ديفراند (29 عاماً) من مدينة كاين:
“شجاعتهم ليست مهنية فقط، بل تضحية حقيقية من أجل نقل الحقيقة إلى العالم.”
بينما وصفت صديقتها ماريون لينوفو مشهد الملاجئ المؤقتة بأنه “أكثر لحظة وجعاً”، قائلة:
“لم يكن المشهد عن الحرب فقط، بل عن الصمود وسط غياب كل شيء: المأوى، الكهرباء، وحتى الأمل.”
🔸 من غزة إلى المنفى
بعد شهورٍ من التغطية تحت القصف، تمكّنت وكالة فرانس برس من إجلاء سبعة من صحافييها مع عائلاتهم بين فبراير وأبريل 2024 إلى الدوحة والقاهرة ولندن، حيث يتلقّون اليوم علاجاً نفسياً من اضطرابات ما بعد الصدمة.
ومع ذلك، لا يزال نحو عشرة مراسلين مستقلين يواصلون العمل في غزة رغم الخطر المستمر وانقطاع الاتصالات المتكرر.
🔸 الأرقام خلف الكاميرا
تأتي هذه التكريمات بينما تشير حصيلة وكالة فرانس برس إلى أن هجوم 7 أكتوبر 2023 أدى إلى مقتل 1219 شخصاً في إسرائيل، في حين تجاوزت حصيلة القتلى في غزة 67 ألفاً وفق وزارة الصحة الفلسطينية، ما جعل الحرب واحدة من أكثر النزاعات دموية في القرن الواحد والعشرين.
🔸 رسالة الفيلم: الصحافة ليست ترفًا
لم يكن فيلم “من داخل غزة” مجرد عرضٍ وثائقي، بل بياناً إنسانياً عن معنى أن تكون صحافياً في زمن الحرب.
بين الأنقاض، لم يكن لدى المصورين وقت للحديث عن الأخلاق الصحفية أو قواعد التصوير — كانوا ببساطة يُقاتلون من أجل الحقيقة.
“ربما لم يُغيّر هذا الفيلم الواقع في غزة، لكنه غيّر شيئاً فينا جميعاً.

(AFP / Inside Gaza Still Frame)
🕊️
إن الكاميرا حين تُرفع في وجه الموت، تصبح سلاحًا للحياة.