بقلم حافظ الميرازي
أهنئ الجزيرة بعودة التحقيقات إلى شاشتها بتوثيق الجرائم، لكنني لاحظت خلطها التحقيقات ببطولات مذيعيها.
أتحدث عن برنامج الجزيرة الاستقصائي “ما خفيَّ كان أعظم” للصحفي الجاد والمثابر تامر المسحال، المنتمي لعائلة فتحاوية، لكن انتماءه الوطني يسمو على تحزّب البعض في قضية شعبه، خصوصًا في غزة. كما علمتُ أنه كان أحد المهتمين برعاية أهالي زملائه من الشهداء الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم آلة الحرب الإسرائيلية غدرًا وعمداً.
كنتُ سعيدًا للغاية أن القناة التي كتبتُ منذ يومين أحثها على الاهتمام بالتحقيقات أكثر من الحوارات والمقابلات — دون التقليل من تضحيات مراسليها — قد استجابت، وبثت اليوم على شاشتها، بدلاً من اليوتيوب فقط، حلقة جديّة من هذا البرنامج الذي بدأ عام 2016 ليخلف، بعد انقطاع طويل، برنامج الزميل يسري فودة “سري للغاية”.
الحلقة تناولت كشف قتلة الطفلة الفلسطينية هند رجب، والتي سبق أن فاز فيلم وثائقي عن مقتلها ومقتل الفريق الطبي الذي حاول إسعافها، بجائزة الأسد الذهبية في مهرجان البندقية السينمائي.

لكن لي ملاحظتان أساسيتان على البرنامج:
أولًا:
صحيح أن البرنامج أعطى الفضل في العناوين للنتائج التي توصلت إليها مؤسسة هند رجب، التي تتخذ من بلجيكا مقرًا لها، في الكشف عن القتلة — وهم جنود إسرائيليون بالاسم — لكن أغلب معلوماته، إن لم تكن كلها، لم تكن استقصائية أو ناتجة عن مقابلات مع أطراف القضية. فقد أعاد البرنامج تقديم نفس معلومات المؤسسة، وكذلك مؤسسة استقصائية أخرى في لندن، بإجراء مقابلات مع الذين قاموا بالتحقيقات والاستقصاء الفعلي.
ولا يبدو مما قُدم أنه نتيجة بحث أصلي أو مقابلات أجراها محررو البرنامج أو صحفيو الجزيرة، فجاء استخدام صور الأقمار الصناعية وغيرها لتوضيح نتائج استقصاء المؤسسة، لا للوصول المستقل لتلك المعلومات.
حتى المعلومة المختلفة التي وردت في البرنامج عن عمر الطفلة، إذ قال إنها كانت في السادسة بينما كل من كتب عنها أكد أنها كانت في الخامسة من العمر، توضح غياب التدقيق التحريري قبل البث.
ثانيًا:
طريقة تصوير المقابلات مع أصحاب الاستقصاء الحقيقيين غلبت عليها صور “البطولة” لمقدم البرنامج، الذي ظهر متكررًا وهو يجري المقابلات أو يقف وسط ما يشبه “غرفة عمليات” مليئة بالوثائق والصور، أو في مواقع مختلفة من العواصم، بل وحتى صورته من مرآة سيارة التاكسي الجالس في مقعدها الخلفي، وكأننا أمام أحد أفلام “جيمس بوند”.
وكان يمكن تفهّم هذا الإخراج لو كانت المقابلات مع قادة تنظيمات خطيرة أو متهمين بأحداث كبرى، لا مع باحثين وحقوقيين ينتمون لجمعيات أهلية توصلت لتلك النتائج بنفسها، وتكرّموا بإعطاء الجزيرة مقابلات لشرح جهودهم القانونية لتعقّب القتلة.

في الخلاصة، غطّت صور الصحفي المحاور الفخور بنفسه على مضمون التحقيق الحقيقي، وعلى أصحاب الجهد الاستقصائي الفعلي الذين كان يفترض أن يُسلّط الضوء عليهم.
بل إن المفارقة الكبرى أن الجزيرة في نشرة “الحصاد” بعد بث البرنامج أجرت مقابلتها الرئيسة ليس مع دياب أبو جهجة، رئيس ومؤسس مؤسسة هند رجب، أو زميله الأمين العام، بل جعلت عنوانها الرئيسي: «ما خفيّ أعظم يكشف قتلة هند رجب»، واستضافت مقدم البرنامج نفسه تامر المسحال.
أما المقاطع التي عرضتها خلال النشرة فكانت في معظمها لصور المسحال وهو يسأل، ويستمع، ويتأمل، ويفكر… ويفكر… ويفكر!
ملاحظة مهنية أخيرة
قد لا يكون هذا وقتها في ظل الحروب، لكن من أساسيات العمل الصحفي أن يُطلَب ردّ الطرف الآخر أو يُشار إلى أنه لم يردّ.
المقال عن منشور بصفحة الزميل حافظ الميرازي
الأراء المنشورة في المدونات لاتعبر بالضروة عن رأي الشبكة