بقلم: أندرو ديك – نييمان لاب | 1 مايو 2025
كوبنهاغن، الدنمارك – في الأسبوع الماضي، اجتمع صحفيون وقادة غرف الأخبار ومديرو المنتجات واستراتيجيون في مجال الذكاء الاصطناعي في مقر الطباعة القديم لصحيفة Politiken، أكبر صحيفة في الدنمارك. كان هذا المكان بمثابة الخلفية المثالية للنسخة الثالثة من قمة الذكاء الاصطناعي في الإعلام بدول الشمال الأوروبي (NAMS)، والتي استقطبت إعلاميين من النرويج والسويد وفنلندا وأوروبا كلها إلى كوبنهاغن للمشاركة في مؤتمر استمر يومين.
بعيدًا عن الحنين لعصر الصحافة الورقية، كان الحضور من التقنيين والمستقبليين الذين تبنوا تقنيات الذكاء الاصطناعي وطالبوا بتغييرات جذرية في نموذج عمل الناشرين الرقميين. وردًا على سؤال حول ما إذا كان البحث التوليدي والتحول الرقمي بالذكاء الاصطناعي سيقضي على “صفحة المقال”، أجاب غارد ستيرو، رئيس التحرير والرئيس التنفيذي لصحيفة VG النرويجية الأكثر قراءة عبر الإنترنت:
“أعتقد أننا كان ينبغي أن نلغيها منذ سنوات. المقال سيموت، ويجب أن يموت، لكن سرد القصص لن يموت أبدًا.”
ركزت كلمات ستيرو، ومعه العديد من المتحدثين في القمة، على أن التغييرات التدريجية في شكل المقالات وأساليب توزيع الأخبار لن تكفي لضمان بقاء الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي. واعتبر أن الوقت قد حان لإجراء تغييرات جذرية لجذب الأجيال الجديدة من القراء.
نحو مستقبل الإعلام: التجارب والدروس
شهدت القمة مشاركة خبراء من كبرى المؤسسات الإعلامية في الدول الإسكندنافية لاستعراض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، بالإضافة إلى نقاشات حول موضوعات مثل “المحتوى السائل”، والوكلاء الذكيين، وسيادة التكنولوجيا الأوروبية.
نموذج الذكاء الاصطناعي المحلي في السويد
قدمت ميكيلا أوستراند، مهندسة تعلم الآلة في قناة SVT العامة السويدية، وليونورا فيستيرباكا، عالمة بيانات أولى من KBLab بالمكتبة الوطنية السويدية، تجربة تطوير نموذج محلي للتعرف على الكلام ينافس نموذج Whisper الذي أطلقته OpenAI عام 2022.
وبما أن نسبة بيانات التدريب الخاصة باللغة السويدية في Whisper لم تتجاوز 0.5%، فقد تعاونت SVT وKBLab لإنشاء نموذج جديد باسم KB-Whisper باستخدام أرشيفات القناة الممتدة لعقود، و23 ألف ساعة من تسجيلات البرلمان السويدي.
حقق النموذج الجديد تحسينًا في الدقة وصل إلى 47% مقارنة بالنموذج الأمريكي، لا سيما في نسخته المصغرة، التي يمكن تشغيلها على الهواتف الذكية. أصبح KB-Whisper متاحًا الآن عبر منصة Hugging Face لاستخدامه من قبل المطورين وغرف الأخبار الأخرى.
وأشارت أوستراند إلى أهمية التعاون قائلة:
“قد تفتقر مؤسستك للموارد أو الخبرات اللازمة، لكن يمكن أن تجد شركاء يملكون ما ينقصك وأنت تملك البيانات.”
هل يمكن للذكاء الاصطناعي اكتساب “حس الأخبار”؟
كان التعاون والمشاركة في المعرفة من أبرز محاور القمة. فقد عرض مختبر الذكاء الاصطناعي في صحيفة iTromsø النرويجية تجربته مع أداة DJINN التي تعتمد على تحليل آلاف الوثائق من أرشيف بلدية ترومسو شهريًا لتقديم موجزات للصحفيين.
ويتم تدريب الأداة على تمييز الأخبار بناءً على تقييم الصحفيين (نعم أو لا)، مما يساعدها في تطوير “الإحساس الصحفي” الذي يميز الصحفيين الاستقصائيين.
أدت الأداة إلى كشف عدة قضايا كبرى، منها قصة مبنى مستشفى مهجور حُول بشكل غير قانوني إلى شقق سكنية، وكذلك تحقيقات موسعة في صناعة الساونا العائمة في النرويج التي خالفت تراخيص الاستخدام في المضائق والخلجان المحمية.
وقالت إلين ستولاند، رئيسة قسم الذكاء الاصطناعي في صحيفة Stavanger Aftenblad:
“أسهل طريقة لجذب اهتمام الصحفيين الأكثر تحفظًا تجاه الذكاء الاصطناعي هي من خلال الأدوات التي تساعدهم في السبق الصحفي.”
مستقبل التكنولوجيا الأوروبية… التحدي الأكبر
طغى القلق من الاعتماد المفرط على شركات التكنولوجيا الأمريكية على مداخلات الحضور. وأشار بعض المتحدثين إلى العلاقات المتوترة بين الدنمارك والولايات المتحدة منذ تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول نية ضم غرينلاند (وهي إقليم دنماركي مستقل).
في كلمته الختامية، أكد راسموس كلايس نيلسن، المدير السابق لمعهد رويترز لدراسات الصحافة وأستاذ الإعلام في جامعة كوبنهاغن، أن إنشاء منصات تكنولوجية أوروبية مستقلة سيحتاج إلى استثمارات ضخمة وتدخل واسع من القطاع العام.
وأشار إلى مثال منصة Mastodon التي لم تحقق انتشارًا جماهيريًا يضاهي المنصات الكبرى.
وقال نيلسن:
“هذا الأمر أعقد بكثير من مجرد استبدال سيارة تسلا بسيارة رينو. يتعلق الأمر بأسئلة وجودية حول ماذا نريد؟ ماذا نحن مستعدون لتحمله؟ وما الذي سنضحي به من أجل بديل أوروبي؟”