MENA EDITORS
في السنوات الأخيرة، تصاعدت مستويات التوتر والإرهاق بين العاملين في القطاع الإعلامي حول العالم. يعيش الصحفيون في بيئات عمل تتسم بالضغط المستمر، بين تسارع المواعيد النهائية، ومتطلبات التوافر الدائم، والتحديات السياسية المتزايدة، فضلاً عن تقلص التمويل وتغيرات المشهد الإعلامي بوتيرة متسارعة.
ووفقًا لتقرير مؤسسة The Self-Investigation، فإن 60% من الإعلاميين أشاروا إلى معاناتهم من القلق، بينما قال 20% إنهم يواجهون الاكتئاب. كما كشف تقرير منصة Muck Rack حول “التوازن بين الحياة والعمل في الصحافة – 2025” أن نصف الصحفيين تقريبًا فكروا في مغادرة المهنة خلال العام الماضي، وأفاد 38% منهم بتدهور صحتهم النفسية.
في هذا السياق، نقدم مجموعة من النصائح العملية مدعومة بأمثلة واقعية، يمكنها دعم الصحفيين في الحفاظ على توازنهم النفسي:
1. انضم إلى شبكة دعم مهنية – “نحن نحتاج لبعضنا البعض”
تجربة شبكة مراسلين في بيرو تقدّم مثالًا حيًّا على دعم الزملاء. فبعد تغطية زلزال عنيف، أنشأ مجموعة من الصحفيين المحليين مجموعة واتساب لتبادل الدعم النفسي ومشاركة القصص الصعبة بعيدًا عن ضغط التحرير. تحوّلت المجموعة لاحقًا إلى مساحة ثابتة للفضفضة والنقاش، مما ساعد كثيرين على تجاوز آثار الصدمة.
نموذج ناجح آخر هو “شبكة الصحفيين المصابين بصدمات” (Dart Center)، التي توفر مجموعات دعم يشرف عليها متخصصون، وتربط بين الصحفيين الذين غطّوا أحداثًا عنيفة أو حروب أو كوارث إنسانية.
2. مارس اليقظة الذهنية – بضع دقائق تغيّر يومك
الصحفية الأميركية كريستين كولينز من صحيفة The Boston Globe كتبت مقالًا تحدثت فيه عن كيف أن خمس دقائق من التأمل الصباحي ساعدتها في استعادة التركيز أثناء تغطية محاكمات مرهقة حول قضايا الاعتداء الجنسي. استخدمت تطبيق “Headspace”، ووصفت النتائج بأنها “كأنك تنظف زجاجك الداخلي من الضباب”.
مؤسسة BBC أطلقت منذ عام 2021 مبادرة داخلية لتعليم التأمل واليقظة الذهنية للصحفيين والعاملين لديها، من خلال جلسات أسبوعية عبر Zoom، وهو ما اعتبره الموظفون “ملاذًا نفسيًا” في خضم الضغط الإخباري اليومي.
3. حافظ على توازن صحي بين العمل والحياة – افصل لتستمر
الصحفية التركية دنيز يلدريم قررت في عام 2024 أن تضع حدًا لاستخدامها للهاتف بعد الثامنة مساءً، وطلبت من رئيس تحريرها عدم إضافتها إلى أي محادثات تحريرية بعد هذه الساعة. بعد شهرين من تطبيق هذا القرار، كتبت تدوينة أوضحت فيها أن هذا التغيير البسيط ساعدها في النوم العميق لأول مرة منذ سنوات.
وفي صحيفة الغارديان البريطانية، وُضع نظام يسمح للصحفيين بتحديد “أوقات غير متاحة للعمل” بشكل رسمي في جداولهم الرقمية، مما ساهم في تقليل معدلات الاحتراق المهني بنسبة 27% بحسب تقييم داخلي.
4. لا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة – الصحة النفسية ليست ترفًا
الصحفي السوداني آدم عبد الله كان يُعاني من كوابيس متكررة بعد تغطيته لمذبحة في دارفور. لم يتحدث لأحد لفترة، حتى قرأ عن مبادرة Dart Center، فتواصل مع معالج نفسي ناطق بالعربية عبر المنصة. بعد عدة جلسات، قال: “كان ما فعلته بمثابة إنقاذ نفسي ومهني. عدت للكتابة بعد أن كنت على وشك التوقف نهائيًا.”
أما في الولايات المتحدة، فقد أطلقت مؤسسة Poynter عام 2023 برنامجًا يُدعى “Wellness for Journalists”. يوفر البرنامج جلسات مجانية مع أخصائيين نفسيين لكل من يملك بطاقة صحفية معتمدة. وقد استفاد منه أكثر من 500 صحفي خلال العام الأول.
التحديات المهنية في العمل الإعلامي ليست في طريقها إلى التراجع، بل تتزايد مع تعقيد الأحداث وتكاثر المنصات. لكن الاعتراف بالضغوط، والسعي لوضع استراتيجيات صحية للتعامل معها، واللجوء إلى الدعم المهني عند الحاجة، هي خطوات أساسية للاستمرار.
فالمهنة التي تسرد قصص الآخرين، تحتاج أولًا لأن تحافظ على من يرويها.